قاسم موزان
رغم أهمية مادتي التربية الرياضية والتربية الفنية في تنمية مواهب الطلبة وصقل قدراتهم الإبداعية والبدنية، إلا أن هاتين المادتين تعانيان من تهميش متزايد في المدارس، حيث يتم تقليص حصصهما لصالح المواد العلمية، أو إلغاؤهما بالكامل في بعض الحالات. ويرجع ذلك إلى عوامل عدة، من بينها ضغط المناهج الدراسية، ونظام الدوام الثنائي والثلاثي، وافتقار بعض المدارس للبنية التحتية المناسبة.
رياضة وفن في مهب الريح
يقول يحيى رمضان، مدير متوسطة الكابتن ناظم شاكر، إن «درسي التربية الرياضية والفنية يُعدّان من أهم الدروس التي تساعد في الكشف عن مواهب الطلبة، كما يشكلان متنفسًا لهم وسط زحمة المواد الدراسية الأخرى». لكنه يعرب عن أسفه لتراجع الاهتمام بهما، حتى باتتا حصصًا «وهمية» يتم استغلالها من قبل باقي التخصصات العلمية لتعويض الدروس الضائعة.
ويوضح رمضان أن هذا التغييب يعود لأسباب عدة، من بينها افتقار البنايات المدرسية الحديثة إلى المساحات والساحات الرياضية، فضلًا عن كثرة العطل التي تدفع إدارات المدارس إلى محاولة استدراك الدروس الأساسية على حساب هاتين المادتين. كما يحمل جزءًا من المسؤولية لإدارات المدارس ومعلمي المواد العلمية الذين لا يبدون اهتمامًا بهذه الدروس، ما أدى إلى تهميشها تدريجيًا حتى اختفت من الجدول في بعض المدارس.
من جانبه، يوضح التربوي حسين علي أن «نظام توزيع الحصص في المدارس الابتدائية ينص على ثلاث حصص رياضة أسبوعيًا للصفوف الثلاثة الأولى، وحصتين للصفوف الأخرى، مقابل حصتين للتربية الفنية، بينما يحصل الصفان الخامس والسادس على حصة واحدة لكل مادة».
لكنه يؤكد أن الواقع مختلف تمامًا، إذ لا يتم تخصيص أكثر من حصة واحدة أسبوعيًا للتربية الرياضية، وحصة واحدة للفنية، وفي بعض الأحيان يتم استغلالهما من قبل معلمي المواد الأساسية، مثل الرياضيات أو اللغة الإنكليزية، نظرًا للضغط الدراسي الكبير.
ويشير حسين إلى أن نظام الدوام الثنائي، الذي تعتمده معظم مدارس العراق، يشكل عقبة رئيسة أمام تدريس هاتين المادتين، حيث لا يمكن للمدارس أن تستوعب ست حصص يوميًا، نظرًا لوجود دوام آخر بعد انتهاء الفترة الصباحية. ويضيف: «في المدارس ذات الدوام الثلاثي، يتم حذف التربية الرياضية والفنية بالكامل من الجدول الدراسي، ما يحرم الطلبة من فرصة ممارسة الأنشطة البدنية والفنية».
كما يعزو حسين جزءًا من المشكلة إلى عدم مطالبة معلمي الرياضة والفنية بحقوق حصصهم الضائعة، ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا.
غياب التخطيط التربوي
يرى نبيل إبراهيم، معاون مدير ثانوية المهتدي بالله، أن تغييب درسي الرياضة والفنية لا يعود فقط لضغط المناهج أو نظام الدوام، بل أيضًا إلى غياب التخطيط التربوي الجاد الذي يضمن مكانة هاتين المادتين في المناهج الدراسية.
ويقول: «الأبطال الرياضيون والفنانون المشهورون هم رموز وطنية ومصدر فخر لبلدانهم، لكن اكتشاف هذه المواهب وصقلها يحتاج إلى أسلوب علمي ممنهج وإشراف متخصص، وهو ما تفتقر إليه معظم مدارسنا اليوم».
حلول مقترحة
لحل هذه الإشكالية، يرى الخبراء أنه لا بد من اتخاذ إجراءات عدة، من بينها إعادة هيكلة الجداول الدراسية لضمان عدم استغلال حصص الرياضة والفنية لصالح مواد أخرى، وتطوير البنية التحتية للمدارس من خلال إنشاء ساحات رياضية وقاعات فنية مجهزة.
إضافة إلى إلزام المدارس بتطبيق توجيهات الوزارة عبر متابعة دورية أكثر صرامة من قبل المشرفين التربويين، وتخصيص مناهج رسمية لمادتي التربية الرياضية والفنية، بحيث يتم تقويم الطلبة فيهما بشكل علمي ومنهجي، فضلًا عن إشراك القطاع الخاص والمنظمات المجتمعية في دعم الأنشطة الرياضية والفنية المدرسية من خلال توفير المسابقات والفعاليات التي تحفز الطلبة على المشاركة.
ويضيف إبراهيم أن المنتخبات الرياضية المدرسية والمسرحيات الطلابية كانت في الماضي تمثل منبعًا لكثير من نجوم الرياضة والفن، لكن هذا الدور تراجع بشكل ملحوظ بسبب غياب الاهتمام المؤسسي بهاتين المادتين.
كما يشير إلى أن أحد أسباب هذا التراجع هو عدم وجود منهج محدد لمعلمي الرياضة والفنية يُحاسبون عليه أسوة ببقية المواد الدراسية، ما يجعل تدريس هاتين المادتين يخضع لاجتهادات فردية.
إجراءات شكلية أم حلول جذرية؟
على الرغم من التوجيهات الوزارية التي تحث على عدم استغلال حصص التربية الرياضية والفنية لصالح مواد أخرى، إلا أن الواقع يشير إلى صعوبة تطبيق هذه التوجيهات في ظل الأوضاع الحالية للمدارس.
تقول ثامرة السامرائي، مديرة ثانوية أفق الأهلية للبنات، إن هناك أمرًا وزاريًا يمنع وضع مادتي التربية الرياضية والفنية في آخر الجدول الدراسي، باعتبارهما درسين ترفيهيين يساعدان الطلبة على الاسترخاء وتجديد النشاط. وتوضح أن «الوزارة تتابع تنفيذ هذا القرار عبر المشرف التربوي، الذي يزور المدارس بشكل دوري لمراجعة الجداول الدراسية والتأكد من عدم استغلال هاتين الحصتين لتدريس مواد أخرى».
لكنها تشير إلى أن الوزارة اضطرت إلى تقليص عدد الحصص المخصصة لهاتين المادتين، بحيث يتم تخصيص حصتين فقط للصفوف غير المنتهية، بينما تكتفي الصفوف المنتهية بحصة واحدة لكل مادة. كما تؤكد أن الوزارة منعت تكليف معلمي الرياضة والفنية بأي واجبات إدارية أو استغلالهم لسد الشواغر، في محاولة للحفاظ على مكانة هاتين المادتين.
وتضيف السامرائي أن بعض الظروف، مثل سوء الأحوال الجوية، قد تؤدي إلى تعطيل حصة الرياضة، حيث لا يُسمح للطالبات بالخروج إلى الباحة في الأجواء الباردة أو الممطرة، لكن في هذه الحالات يتم توجيههن إلى مكتبة المدرسة للاستفادة من وقت الحصة في مطالعة الكتب والقصص.
دور الإشراف التربوي
من جهته، يؤكد المشرف التربوي كامل النميري أن درسي التربية الرياضية والفنية ما زالا مدرجين ضمن الجداول الدراسية لجميع المدارس، حيث يتم تخصيص ثلاث حصص رياضة وحصتين فنية في المدارس ذات الدوام الأحادي، بينما يتم تقليص الحصص إلى حصة رياضة وأخرى فنية في المدارس ذات الدوام الثنائي. أما في المدارس التي تعتمد الدوام الثلاثي، فإن تعليمات الوزارة تنص على حذف هاتين المادتين بالكامل، وهو ما يراه البعض أمرًا غير مبرر، نظرًا لأهميتهما في دعم التوازن النفسي والجسدي للطلبة.