مخاطر الهواتف الذكيَّة على الصحة العقليَّة لليافعين

اسرة ومجتمع 2025/04/06
...

 إيميلي سيهمر

 ترجمة: أنيس الصفار


يبدو أن انتشار الهواتف الذكية بين الأطفال واليافعين بلغ نقطته الحرجة، وكثير من البريطانيين باتوا يدركون الآن، بشكل متزايد، المخاطر المرتبطة بهذه الأجهزة. ونظرًا لكوني طبيبة مختصة بالصحة النفسية لصغار السن، يتولاني قلق يفوق ما يشعر به عامة الناس، لأنني أشهد بشكل مباشر الخراب الواسع الذي يلحقه استخدام الهاتف الذكي بالصحة العقلية لأبنائنا.

معظم الأطفال فوق سن العاشرة الذين يفدون إلى عيادتي يمتلكون الآن هواتف ذكية، ونسبة كبيرة ومتزايدة منهم يعانون من مشكلات كان لاستخدام التكنولوجيا دور في حدوثها أصلاً أو في مفاقمتها. نشهد باستمرار حالات صعبة من المرض العقلي ناجمة عن الاستعمال المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، والتعرض للتنمر عبر الإنترنت، وإدمان الشاشات، أو وقوع الأطفال فريسة للاستغلال الجنسي.

نرى صغارًا يهيمون في العوالم الإلكترونية فلا يعودون يستطيعون النوم، وتضعف قدرتهم على الانتباه بشكل متزايد، وتصبح سمة تصرفاتهم الاندفاع، والطيش، وعدم الانضباط العاطفي، والعدوانية. أطفال يشلّ حركتهم القلق أو الخوف من أن يفوتهم شيء، فيقضون ساعاتهم منقطعين عن أهلهم وأحبتهم، بينما يمضون الوقت بالتحدث مع غرباء.


إغراء الانتماء

يقضي الفتى الاعتيادي ذو الثانية عشرة من عمره في بريطانيا اليوم نحو 29 ساعة أسبوعيًا وهو منشغل بهاتفه الذكي، أي ما يعادل وظيفة بدوام جزئي. قدرة هؤلاء الصبية على النفاذ إلى هذا الكمّ الهائل من المعلومات، وهم تحت هذه السن المبكرة، لها آثار عميقة على تطورهم العصبي.

سابقًا، كانت تُحال إلينا كل أسبوع حالات محدودة من الاضطراب المعروف بـ»نقص الانتباه مع فرط الحركة»، أما اليوم فيكتسحنا طوفان عارم من هذه الحالات.

يلقى الأهل أنفسهم عاجزين عن جعل أطفالهم يأوون إلى الفراش أو يجلسون هادئين، كما يسعى هؤلاء الأطفال بشدة للاحتفاظ بتركيزهم في المدرسة، ما ينعكس سلبًا على العملية التعليمية. كبالغين، يمكننا أن نلاحظ مدى تأثّر قدرتنا على التركيز منذ أن ارتبطت حياتنا بالإنترنت. فاليوم، لا أستطيع تذكر آخر مرة رأيت فيها شخصًا يشاهد فيلمًا دون أن يُقلّب رسائل هاتفه بين الحين والآخر أو يتحقق من محتويات واردة إليه.

أدمغتنا آخذة في التغير، والأطفال ليسوا محصنين ضد هذا التغيير، بل ينحو اليافعون بشكل متزايد نحو الانصراف والعزلة. فقد تراجع متوسط الوقت الذي يقضيه المراهقون مع أصدقائهم يوميًا بنسبة 65% منذ عام 2010.

وسط هذه الفضاءات المغلقة، وبعيدًا عن إشراف الكبار، يمكن أن ينحدر الأطفال نحو مهاوٍ مقلقة. فنحن نسمع عن حالات «انتحار جماعي» تنتشر كالفيروسات، وعن تحديات بإيذاء النفس يشارك فيها أطفال لا تتعدى أعمارهم عشر سنوات.

وبالنسبة للأطفال الأكثر عرضة للخطر، خاصةً من ليس لديهم أصدقاء كثر في المدرسة، يكون إغراء الانضمام إلى جماعة ما عبر الإنترنت أمرًا ساحرًا، حتى لو كان معنى ذلك المشاركة في ممارسات شديدة الخطورة.

خلال السنوات الأخيرة، كانت هناك حالات انتحار عديدة لأطفال، لها ارتباط مباشر بوسائل التواصل الاجتماعي. الأخطر من ذلك أن أهالي الضحايا لم تكن قد تناهت إليهم أية إشارة عمّا يجري قبل وقوع المأساة.


الأسرة والمجتمع والدولة

ندرك مدى صعوبة الموقف حين يكون لدى جميع أصدقاء الطفل هواتف ذكية بينما هو لا يمتلك واحدًا، ولهذا لا يكفي أن يتخذ الآباء قرارات فردية، بل نحن بحاجة ماسّة إلى التعامل مع هذه المشكلة كمجتمع.

لا شك أن حملات مثل حملة «طفولة بلا هواتف» تكتسب زخمًا في تشجيع الأهل على اتخاذ قرارات جماعية لصالح أطفالهم، لكن على الدولة أيضًا أن تتدخل بسرعة.

آمل أن تنتبه الحكومات لما يحدق بأطفالنا وفتياننا، وتتصدى لتحمّل هذه القرارات الصعبة بالنيابة عنا.

عن صحيفة الغارديان البريطانية