ديانا دي لامورا وفابيولا سانشيز
ترجمة: بهاء سلمان
عندما وصلت مجموعة من المواطنين الباحثين عن أقارب لهم مفقودين بولاية خاليسكو غربي المكسيك إلى مزرعة مواشٍ نائية تقع خارج ثاني أكبر مدن المكسيك قبل عدة أسابيع، وجدوا شيئا يثير الريبة والشك، وكل ما توجب عليهم فعله هو بذل جهد بسيط لفتح بوابة غير مغلقة.
انشغل الباحثون بالعمل بأدوات بسيطة، من المعاول والمجارف والقضبان الحديدية، مؤدين عملا كان من المفترض قد أنجزه محققو الولاية قبل أكثر من ستة أشهر. لكن ما عثروا عليه جعل السلطات الحكومية تشعر بالإحراج، وتثير صدمة عبر المكسيك: عشرات الأحذية وأكوام من الملابس وما ظهر كونه بقايا من أجزاء عظام بشرية، لتأتي الأسر المنذهلة من مختلف أنحاء البلاد، التي كانت قد شرعت مسبقا بالبحث عن ذويها، كي تتعرّف على قطع الملابس. كان الأمر بمثابة تذكير صادم لأكثر من 120 ألف مفقود في المكسيك، وغذى بما يكفي بجعل الحكومة الاتحادية تفتح تحقيقا حول التحريات السابقة المثيرة للجدل.
سيطرة العصابات
تبعد مزرعة تويتشيتلان، نحو ستين كيلومترا غربي مدينة غوادالاخارا، وكانت تستخدم بحسب المزاعم كقاعدة تدريبية لمجنّدي عصابات المخدرات حينما وجدتها فرقة من قوات الحرس الوطني شهر أيلول 2024. وكانت السلطات قد أشارت حينها إلى اعتقال عشرة أشخاص، وإطلاق سراح رهينتين مع العثور على جثة واحدة ملفوفة بالبلاستك. وتوجّهت إلى الموقع لجنة من دائرة المدعي العام للولاية، ترافقها حفارة ضخمة وكلاب مدرّبة وأجهزة متخصصة، للتقصّي عن الحقائق على الأرض.
إلا أنه لاحقا مضى التحقيق بشكل فاتر، لغاية أن قام أعضاء من محاربي خاليسكو، وهي واحدة من عشرات منظمات البحث التي تجول المكسيك بأسرها، بزيارة الموقع قبل عدة أسابيع؛ ليعثروا على أحذية وأكوام من الملابس، وما ظهر كونه قطعا صغيرة محترقة لعظام آدمية.
وعاد أعضاء منظمة البحث إلى الموقع بعد عدة أيام، بدعوة من السلطات المعنية منشغلين بتثبيت الأدلة والبحث عن الممتلكات. "توافدت الكثير من العوائل للتعرّف على قطع الملابس،" كما قالت "ماربيل"، عضوة منظمة البحث التي تحدّثت إلى الصحافة خارج المزرعة، وطلبت التعريف عن نفسها باسمها الأول فقط خشية على سلامتها، وأضافت: "ما نريده هو إيقاف جميع هذا الوضع المتعلّق بحالات الاختفاء. نحن نأمل بأن السلطات ستعمل هذه المرة على أداء ما ينبغي عليها فعله."
إهمال غير مسؤول
هناك أكثر من مئة وعشرين ألف فرد مغيّب قسريا في المكسيك، وفقا للسجلّات الحكومية، ويتوجب على منظمات البحث، من أمثال محاربي خاليسكو، تنظيم نفسها لأداء العمل الذي غالبا لن تفعله السلطات الحكومية. وتبحث هذه المنظمات عبر مواقع أخرى غير منطقة تويتشيتلان، أحيانا بمرافقة حماية حكومية، أو بدونها، وبعد ذلك يتم الكشف عن ما تعثر عليه بهدف الضغط على السلطات الحكومية من اجل جعلها تؤدي واجباتها؛ وهذه المرة تحقق ما هو مطلوب.
وقام المدعي العام لولاية خاليسكو "سلفادور غونزاليز"، بزيارة المزرعة بنفسه قبل أيام خلت، مشيرا إلى أن أفراد لجنة التحرّي قد وجدوا ست مجاميع من العظام، لكن لم يكن من الواضح كم هو عدد الضحايا المحتمل. ولم يدلِ بتفاصيل عن الأسباب التي جعلت المحققين فيما سبق يخفقون في العثور على ما وجده لاحقا مواطنون غير مدربون، بيد أنه قال بأن الجهود السابقة "لم تكن كافية."
وقامت دائرة المدعي العام ببث صور لجميع الأدلة الموجودة بالموقع، على أمل أن يتمكّن أقارب الضحايا من التعرّف على أية قطعة من قطع الملابس. وأعلن حاكم ولاية خاليسكو "بابلو ليموس" مؤخرا أن دائرة المدعي العام الاتحادية ستتولى التحقيقات تنفيذا لأمر رئيسة الجمهورية "كلوديا شينباوم". ويعد كارتل عصابات "الجيل الجديد" المنظمة الاجرامية المهيّمنة على ولاية خاليسكو.
وقبل عدة أيام، قامت عجلات حكومية بيضاء اللون بتطويق المزرعة المهجورة ودخلت المباني المحاطة بجدار مرتفع وحقول. وقالت "اندريا نافارو"، قائدة فريق البحث للمنظمة: "وظّفت هذه المزرعة كموقع تدريبي برغم كونها تبدو مفزعة وقاسية حقا." كما ألقت باللائمة على الحاكم السابق للولاية "انريكه الفارو" على "سعيه إخفاء مثل هذا النوع من الوضع أو الاكتشاف،" وطالبت بصوت مرتفع عن الكشف عن سبب إخفاق محققي الولاية المجهّزين بالتقنيات الحديثة والتدريب عن اكتشاف ما تمكّنت مجموعتها من الوصول إليه، مستخدمين "المعاول والمجارف والقضبان الحديدية."
لاحقا، قال بيان للمؤتمر الاسقفي المكسيكي، وهو يمثل القيادة الرسمية للكنيسة الكاثوليكية في البلاد، بأنه أصيب بالاحباط لما تم العثور عليه في الموقع، الأمر الذي يفرض وجود "اهمال غير مسؤول" من جانب السلطات بجميع مستوياتها الحكومية الثلاثة، وإشارة أخرى لمشكلة أكبر حجما للمغيّبين في المكسيك.
وكالة اسيوشيتد برس الأميركية