ترجمة: نجاح الجبيلي
بدأ أليخاندرو بويانا، البالغ من العمر 43 عاماً، في الكتابة عن خاطف، مستوحى من أحد الأشخاص الذين اختطفوا شقيقه الأصغر عام 2022 في فنزويلا. بدأت الفكرة تتبلور بين مكانين هما تكساس وفنزويلا حتى تحولت إلى رواية. كان هدفه فهم واقع بلاده والتصالح مع مشاعر الذنب التي راودته بسبب عيشه بسلامٍ في الولايات المتحدة بينما كانت أسرته تعاني من انعدام الأمن الذي يعصف بفنزويلا. لكن المشروع سرعان ما نما وتطور ليصبح رواية بعنوان: "وليمة الحريَّة"، وهي رواية متعددة الأصوات نشرت مؤخراً وتمتد عبر عدة عقودٍ من التاريخ. يقول بويانا: "أدركت أن الكتاب سيتناول وضع اليسار في فنزويلا".
عبر شخصياتٍ متعددة وعلاقاتها المتشابكة، تلاحق الرواية تطور اليسار الفنزويلي، من حرب العصابات في أواخر الستينيات إلى حكومة شافيز في القرن الحادي والعشرين. وينتج عن ذلك مزيجٌ من التطهير النفسي الشخصي ومحاولة تقديم فنزويلا لجمهورٍ لا يعرفها إلا من خلال الصور النمطيَّة. وفي الوقت الذي يجري تصوير الفنزويليين غالباً كأشرارٍ في بلد دونالد ترامب، تدعو رواية بوّيانا القراء إلى مواجهة تعقيد بلدٍ غنيٍ بالتاريخ بقدر ما هو غير متكافئ، ومثالي بقدر ما هو عنيف، ومفعم بالأمل بقدر ما هو مفجع.
تُشكّل علاقة المؤلف ببلده الأساس لروايته، إذ يجسدها بشكلٍ متجذرٍ على صفحاتها. وُلد بوّيانا في نيويورك بينما كان والده يعمل في أحد البنوك هناك، لكنَّه نشأ في كاراكاس العاصمة الفنزويليَّة وهو يشعر بالاختلاف عن الأطفال الآخرين، فقد كان يحمل جواز سفر أميركياً، وهو امتياز لحق المواطنة بالولادة الذي أصبح موضع جدلٍ خلال إدارة ترامب. هذا الوضع ساعده لاحقاً في فتح الأبواب أمامه، لكنَّه مع المناخ السياسي الذي نشأ فيه، إذ أسَّسَ والده الصحيفة التقدميَّة "تالكوال" عام 2000، جعله مدركاً لمزاياه مقارنة بالملايين من مواطنيه.
يقول بوّيانا: في منزلي، كان هناك حديثٌ دائمٌ عن العدالة الاجتماعيَّة. كان والدي يدعم حزب MAS "الحركة نحو الاشتراكيَّة". لم نكن أسرة يمينيَّة، لكنْ كان هناك دائماً خوفٌ كبيرٌ، مما قد يعنيه أنْ يقود الحكومة شخصٌ قريبٌ من الجيش. وبمرور الزمن، عرفنا أنَّ ذلك قد تحقق بالفعل. لكنني كنت أشعر دائماً، على عكس ما هو شائعٌ في بيئتي الوسطى الميسورة، أن هوغو شافيز وصل إلى السلطة لسبب جدّ واضح أن "الحكومات المتعاقبة على مدى عقودٍ قد نسيت الفقراء والطبقة العاملة".
وعلى الرغم من أنَّ بوّيانا يتماهى مع المعارضة للنظام الفنزويلي، سواء أيديولوجياً أو شخصياً، إذ تعرَّضَ والده للمقاضاة كعضوٍ في مجلس إدارة الصحيفة، ولم يتمكن من مغادرة البلاد لسنوات، إلا أنَّه يقول: "كنت أعلم أنني يجب أنْ أمثل ذلك التفاؤل، ذلك العالم من الاحتمالات الذي فتحه شافيز".
كان تيودورو بيتكوف – الصديق العائلي المقرب والحاضر الدائم في طفولة وشباب بوّيانا، وأحد مؤسسي صحيفة "تالكوال" وعضواً مؤسساً في حزب "الحركة نحو الاشتراكيَّة" يجسد إلى حدٍ ما أحد المسارات الرئيسة لتطور اليسار الفنزويلي. فقد كان مقاتلًا في حرب العصابات في الستينيات، ومرشحاً رئاسياً مرتين، ووزيراً في حكومة التوافق الوطني في التسعينيات. وتشكّل رحلته، التي جرى تجسيدها في الرواية من خلال شخصيَّة ستانيسلافو أتاناس، الخط السياسي الأكثر وضوحاً في عمل بوّيانا. يقول الكاتب: "نشأت محاطاً بقصص اليسار وتيودورو، لذا حين أدركت أنّ الكتاب سيركز على تلك اللحظات التاريخيَّة، كان من السهل رؤيته كمصدر إلهامٍ لهذه الشخصيَّة".
ما بدأ كتقصٍّ شخصي لصدمة الهجرة، إذ غادر بوّيانا فنزويلا عام 2006 للحصول على درجة الماجستير في الإعلان، ثم عمل في مجال الاتصالات السياسيَّة للحزب الديمقراطي، وبقي في الولايات المتحدة حتى تمكنت أسرته من اللحاق به بعد سنوات، توسَّع ليصبح تحليلاً أشمل لتاريخ فنزويلا الحديث. وعند هذه العمليَّة، أصبح أمرٌ آخر واضحاً له.
يوضّح بوّيانا: "ما أردتُ فعله هو سردُ قصَّة عن بلدي لجمهورٍ قد لا يكون على دراية بها. أدركتُ أنني سأكتبُ رواية باللغة الإنكليزيَّة، وأنها ستكون بمثابة شرحٍ لكيفيَّة وصول فنزويلا إلى هذه اللحظة التاريخيَّة. وأنْ يكون الكتاب بوّابة تتيح للقراء الشعور بارتباطٍ عاطفي أكبر مع ما عاناه الفنزويليون".
ومن أجل هذه الغاية صاغ بوّيانا سرداً غامراً ذا إيقاعٍ سريع، مترجماً في الوقت الفعلي من الإسبانيَّة التي تدور في ذهنه إلى الإنكليزيَّة التي تنسابُ من أطراف أصابعه. يقول: "تلك هي الكتب التي أهوى قراءتها، إذ تقع أشياءٌ مثيرة، وثمة لحظات توتر، ولا تعرف ما سيحدث بعد ذلك، وإذ توجد مواجهات تغيّر الحياة. أردتُ أنْ يكون كتاباً يمكنه من جذب حتى أولئك الذين لا يهتمون كثيراً بسماع قصة فنزويلا أو معرفة ما حدث هناك".
يتزامن صدور الرواية مع اللحظات التي تحتلُّ فيها فنزويلا – سواء من خلال قادتها أو موجات المهاجرين المغادرين للبلاد – عناوين الأخبار العالميَّة والخطابات السياسيَّة. إنها مصادفة لم يكن بوّيانا يتوقعها. يقول: "لم يكن موضوع الهجرة ذا تأثيرٍ كبيرٍ في الرواية، لكنَّه أصبح يستهلك أفكاري مؤخراً. نحن نشهد بالفعل الكارثة التي تمثلها إدارة ترامب بالنسبة للفنزويليين، حتى أولئك الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة بشكلٍ قانوني. ماذا سيفعلون بحق الجحيم؟".
يأمل بوّيانا أنْ تصل رواية "وليمة الحريَّة" إلى القراء في الولايات المتحدة، لتمنحهم فهماً أعمق لبلد أصبح، بالنسبة للعديد من الأميركيين، مرادفاً للاستبداد والفقر والعصابات. وفي الوقت ذاته، يأمل أنْ تحظى الرواية باهتمامٍ كافٍ لتتم ترجمتها إلى الإسبانيَّة، الأمر الذي يتيح لها أنْ تلقى صدى لدى القراء في جميع أنحاء أميركا اللاتينيَّة، إذ قد يرى الكثيرون انعكاساً لتاريخهم في صفحاتها.
عن صحيفة "إل باييس" الاسبانيَّة