دور النقد في تشكيل السرديات

ثقافة 2025/04/06
...

  بغداد: نوارة محمد


إذا كان ثمة ما يميز السرديات الروائيَّة فهو ارتباطها بالمقاربات النقديَّة مؤخراً، الأعمال الأدبيَّة السرديَّة التي لم تعد تشتغل بمعزل عن مؤثرات ما يتمُ تناوله في الإطار النقدي بحسب مهتمين، ففريق يعتقد أن النقد هو الجزء الأهم الذي يرتبط بالنصوص الإبداعيَّة، وأن النظريات النقديَّة هي ليست تراكم أيديولوجيات زمنيَّة لا، بل وليدة ما ينتج من نصوصٍ أدبيَّة. وثمة من يعتقد بأن الناقد هو مؤلف لم يقدر على كتابة نصٍّ إبداعي لذا يعالج هذا بالتحليل والاشتغال على ما قدمه غيره والنتيجة واحدة، هل ترتبط الاشتغالات السرديَّة وتطورها بالتحليل النقدي.

مصطفى حمزة ناقد وكاتب أشار إلى أنَّ النقد الأدبي مهمٌ للعمل الإبداعي، بل هو مكملٌ له الى حدٍ بعيد. وقال إنَّ "مهمة النقد الأدبي هي تسليط الضوء على طبيعة العمل الإبداعي ومكامن قوته وضعفه، فضلاً عن الاهتمام النقدي بالرواية، يمكن أنْ يجعلها أكثر تقبلاً لدى القراء الذين يقبلون على قراءتها عقب الاهتمام النقدي بها والتنبيه إلى طبيعة شخوصها وأدوارهم في النسيج الروائي". 


العمل وأبعاده

وتابع: "أما في ما يتعلق فيما إذا كان للنقد تأثيرٌ في بِنْية الرواية، فلا بُدَّ من الإقرار أولاً أنَّ الرواية عملٌ إبداعيٌّ، ويبقى النقد مهماً تباينت رؤاه ومدارسه تبعاً لها. لكنْ كون مدارس النقد الحديثة اختلفت عن السابق، حيث النقد كان انطباعياً في الغالب، فإنَّه بدأ يكشف الكثير من مضامين العمل الروائي وأبعاده من حيث البِنْية والشخوص وأساليب التناول. ولذلك كما أضاف حمزة: أصبح النقد الحديث كما لو كان مشاركاً في كتابة الرواية، أو أنه عند نشر الرواية لا يكتفي بتقييمها تقييماً خارجياً، إنما يغوصُ في بنيتها الداخليَّة كاشفاً عن الكثير من الخفايا والأسرار داخل بنية الرواية وحركة شخوصها وأبطالها".

ومن هنا لا بُدَّ للإشارة أنَّ البعض يرى أنَّ النقد اليوم قائمٌ على المجاملات والإخوانيات بين النُقاد والكُتاب، إذ لا يمارس النقد دوراً مفصلياً في تحول الإطار النقدي، وهو ما يخشى كثيرون البوح به في السنوات الأخيرة، وقال الكاتب عبد الجبار العتابي إنَّ "للنقد الأدبي دوراً بارزاً في التأثير في تطور الرواية، وهو خطاب عام، يمكن أنْ يقوله النقاد والأدباء، ولكنْ أين هو النقد الذي يقوم بهذا الدور؟".

وأوضح: "لا أريد أنْ أعمَّمَ وأبخس قيمة البعض، إلا أنَّ النقد الحقيقي غائبٌ وما يحدث في الأرجاء مجرد مجاملات، تمرّ على سطح وعنوان الرواية ومؤلفها وتبذخ ما تشاء من كلمات الإطراء وصولاً الى ما يسمى (إنقدني وأنقدك)، وفقاً لرأيه.

وتابع أنَّ "النقاد الحقيقيين، على قلّتهم، يطرحون نقودهم التي تخدم تطور الرواية، ولكنْ هذه القلة من خلال متابعتي لا يهتم بها إلا ما ندر أو أنهم لا يبادرون إلى توضيح السلبيات في الرواية وأخطاء الروائي، وهو ما أعتقد أنَّ الروائيين لم يأخذوا بها، لأنهم يكتبون ما تشاء لهم قدراتهم وأمزجتهم وتأثراتهم".


مفاهيم نقديَّة

وما شاع من أنماطٍ سرديَّة في الروايات العربيَّة والاهتمام النخبوي للنص، يؤكّدُ أنَّ للمفاهيم النقديَّة والتنظيرات الأدبيَّة دوراً في التغيرات الكتابيَّة بحسب فريقٍ آخر، لا سيما أنَّ في ما كتبه الروائيون ممَّن اهتموا بالنظريات النقديَّة ممن لديهم خلفيَّة أكاديميَّة، فمن الواضح أنَّ هناك كثيراً من المؤلّفين قد قرنوا الاشتغالات النقديَّة، الدراسات الأكاديميَّة والمراجعات للأعمال المنشورة في الصُحف والمجلات والتفاعل الذي يلاقيه هذا النوع من المراجع في المشهد الثقافي العراقي وهو ما يؤشر إلى حالة من التلاحم بين النقد وصناعة الرواية. وفي هذا السياق أكد الناقد علي عبدالرضا عاصي أنَّ "محاولة الإشارة إلى تأثير النقد في تطور الأسلوب السردي يتطلب دراسة كاملة لنقد الرواية، لا سيما أنَّ الرواية العربيَّة والعراقيَّة تعدُّ حديثة على الساحة الأدبيَّة، فهي لم تكن ضاربة بجذورها التاريخيَّة كالقصيدة والرسائل والمقامات، وإنما دخلت في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، وتعدَّدت مدارسها من كلاسيكيَّة قديمة ورومانسيَّة وواقعيَّة، وبتعدد أنواع هذه المدارس تعددت المناهج النقديَّة تبعاً لذلك".

وأضاف أنَّ "النقد اليوم رغم هذه المدة الزمنيَّة القصيرة، إلا أنه مارس دوراً لا يستهان به في تحولات الأساليب الكتابيَّة والسرديَّة، خصوصاً أننا نشهد تطوراً سريعاً في القراءة، أعني بذلك القراءة النقديَّة والسرديَّة على المستوى النخبوي، الدراسات ومراجعات الأعمال الأدبيَّة على الصحف والمجلات بدت اليوم تلاقي انتشاراً سريعاً خصوصاً في منصات التواصل الاجتماعي، الكاتب والناقد لم يعد محدود النطاق".

ويعود عبدالرضا عاصي للتأكيد: منذ أنْ كان النقد بمناهجه مواكباً للأعمال النقديَّة، دارساً، ومقوماً، وموجهاً. في منتصف القرن العشرين ظهر المنهج التأويلي، وخرجت معه دعوات رولان بارت بموت المؤلف، وجاك دريدا صاحب مقولة (لا شيء خارج النص) والتي قادت الى إعطاء حقٍ للقارئ والمفسر بالمشاركة في تأويل النص. وهي دعواتٌ في باطنها تدعو الى تقليل دور الناقد، أو إلى موته. وما تبعها من نظريَّة الحداثة وما بعد الحداثة".

لكنْ تبقى الساحة العراقيَّة لها خصوصيَّة لا سيما بعد العام ٢٠٠٣ وما أعقبها من أحداث، وظهور الانترنت وما صاحبه من ثورة بعالم الاتصالات، فقد شهدت الساحة الأدبيَّة أشبه ما يكون بالهزات العنيفة، مضطردة ومتساوقة مع الهزات الاجتماعيَّة العارمة، وعمَّت الفوضى في الكتابة، وظهر رواة وكتّابٌ ليسوا على علاقة بالأدب والثقافة والفن، كما خرج في المجتمع أصحاب رؤوس الأموال عن طريق الصدفة والمباغتة، وظهر تبعاً لذلك نقادٌ يقومون بالتأليف ويملؤون بطون الصحف بدراساتٍ زائفة، قائمة على المحاباة والعلاقات الشخصيَّة، ولم يعد النقد المنهجي القويم، يلحق بهذا الكم الهائل من النتاج الروائي المكدس في الساحة الأدبيَّة العراقيَّة.