علي حسن الفواز
تحولت إجراءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية إلى حرب مفتوحة، أصابت الأسواق والبنوك والبورصات بعدوى الأمراض التجارية، مع الخوف من حدوثِ تطورٍ خطير في عدواها، لتؤثر في مصادر النمو الاقتصادي، وفي زيادة نسب التضخم، وربما التهديد بالركود، وبالتالي فإن الدول المصابة بهذه العدوى ستجد نفسها إزاء تحديات كبرى، ومنها الولايات المتحدة ذاتها، التي ستواجه رداً في الخضوع إلى سياسات خفض أسعار الفائدة.
ما حدث تحول إلى صدمة، وإلى خروج عن المتوقع، وربما سيجد العالم نفسه أمام خيارات صعبة، ستدفع به إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية، وحتى سياسية طارئة، قد تضع الاحتياطات البنكية بمواجهة أزمة واقعية، تخصُّ تغطية تكاليف الحروب المدعومة غربياً، ونفقات الموازنات العامة للدول، فضلاً عن تغطية نفقات الاستهلاك الذي يمثل رمز الحياة الرأسمالية في أوروبا وأميركا وآسيا.
هذه الحرب ليست رمادية فقط، بل إنها ستقود إلى حروب أخرى، تتجاوز لعبة زيادة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، إلى صراعات جيوسياسية، لا سيما من الدول ذات الاقتصاديات الكبيرة مثل الصين وألمانيا وفرنسا وكندا، فضلاً عن ذلك فإن هذا الإجراء الأميركي الشامل سيضع الاقتصاد العالمي إزاء تهديد بنيوي خطير، كشفت عنه كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي، من خلال التأكيد على « أن هذه الخطوات ستلحق الضرر بالاقتصاد العالمي وستؤثر في بطء نموه».
حديث ترامب عن فروضه الجمركية تداخل فيه الرومانسي والواقعي، فهو يراها طريقة لمواجهة «الغشِّ الاقتصادي» مثلما جعل منه إعلاناً ثورياً عن « الاستقلال الاقتصادي الأميركي» وهذا التوصيف يدخل في سياق التعبير عن طريقته الرئاسية، وعن ما يرتبط بها من نزق راديكالي، يسعي من خلاله إلى جعل مركزيته الأميركية، وكأنها مركزية العالم، وأنها توحي بحيازة القدرة على تحويل الاقتصاد الأميركي إلى اقتصاد أرباح، بقطع النظر عن خسائر الآخرين ومشكلاتهم، وعن علاقة ذلك بمفهوم التكافل العالمي والمصالح الدولية.
هناك من يجد أن مواجهات إعلان حرب الرسوم الجمركية لها قصدية واحدة تستهدف الصين، فقدت بلغت بحدود 54 بالمئة، وهو ما يعني فرض الحصار التجاري عليها وقطع شريانها الاستثماري في دول جنوب شرق آسيا، وفي العالم، لكن ذلك ليس سهلاً، لأنه سيدخل العالم في دورة معقدة من الصراع التجاري الذي لن يسلم منه أحد، حتى الدول العربية صاحبة الاقتصادات الهشَّة وقعت تحت طائلة هذا الإجراء الأميركي، فقد تراوحت الرسوم المفروضة عليها بين 10 - 39 بالمئة، وكأن صياغتها تمت وفق منظور سياسي أكثر من كونه منظوراً تجارياً.