الحجامة.. علاجٌ تقليديٌ يعزز الصحة ويكسب ثقة الأطباء والمرضى

ريبورتاج 2025/04/07
...

   ذو الفقار يوسف

  تصوير: مصطفى الجيزاني


استغرب احمد عندما رأى جسد صديقه ياسين وقد انتشرت به بقع دائرية حمراء، ما جعل خوفه يبادر بالسؤال، ما هذه البقع التي تشبه البدر الاحمر على ظهرك وكتفك؟ هل هي مرض جلدي؟ هل تؤلمك؟، ابتسم ياسين لما رآه في ملامح صديقه، وقال له: هي اشارات السلامة، وان تكن عارفا بدينك فستعرفها من العلامة، انها تدعى "الحجامة". واستمر ياسين بسرد تعريفات هذه المهنة ليقول لصديقه: هي وسيلة لكي يخرج من جسدك الداء، بلا جراحة بلا حقن ولا دواء، استخدمها السومريون من قبل، وأوصى بها سيد الأوصياء، إن تشأ أن تجربها.. سآخذك الى الحجام إن أردت، كن واثقا بأنها لصحتك ستكون الادامة.

طبٌ ونهجٌ وتاريخٌ

الباحث في الطب اليوناني والاسلامي خليل ابراهيم الفهد أول المتحدثين في سطور (الصباح)، حيث يبين أن الحجامة هي اخراج الدم عن طريق الجلد بالتشريط الخفيف، الذي لا يتعدى طبقاته باستعمال الشفط بادوات الحجامة المعروفة، ولها أماكن محدودة وضرورات وموانع بحسب ما يقرره الحاجم او الحجام المتدرب عليها والعارف بشروطها.

ويوضح الفهد، ان "الحجامة لم تنشأ منبثقة من التعاليم الاسلامية الطبية فحسب، بل إن لها امتدادًا تاريخيا عميقا جدا يكاد يصل لأول الخليقة، ولكن جاء الاسلام وحرص النبي (صل الله عليه واله وسلم) على ترسيخ أهمية الحجامة في الاستطباب، حتى أصبحت من ضروريات الطب الإسلامي، واشتهر عن الرسول قوله (الشفاء في ثلاثة.. شربة عسل.. وشرطة محجم.. وكية بالنار، وانهى امتي عن الكي). وكثير من الاحاديث التي تؤكد على الحجامة وردت عن النبي (صلى الله عليه واله او ال بيته عليهم السلام)، وكذلك سار صحابته وعلماء الطب المسلمين على نهجه".


علاجٌ مختلف

ويضيف الفهد، ان "الحجامة تعتبر وسيلة صحية مع اختلاف وجهات النظر حول الممارسة ومن يمارسها، وهنا لا يمكن الاجابة على هذا السؤال بالمقارنة بين الحجامة وبين العلاجات الاخرى، لأن الحجامة علاج لكنه مختلف كما لو أجرى جراحا عمليه صغرى لإزالة مسمار القدم أو عالجه بمحاليل مذيبة للتقرن، أما فعالية الحجامة بغض النظر عن المقارنة فثبت نظريا وعمليا دورها الفاعل في كثير من الأمراض، وأحيانا تكون الحجامة هي البديل الأمن لباقي الطرق مثل الدواء الصيدلاني أو الدواء العشبي أو المكملات والفيتامينات وغيرها، وكمثال على ذلك معالجة لزوجة الدم أو ما يعرف بمقياس pcv أو الهيماتوكريت".

ويشير الى أن "الحجامة تتفوق على مميعات الدم، بل وتنهي المشكلة الصحية نهائيا عندما يكون الحاجم خبيرا أو المريض ملتزما بالجلسات الدورية للحجامة، وكمقارنة بين الحجامة والتبرع بالدم لأن كل منهما له هدف محدد وطريقة تختلف، فالتبرع يمكن أن يخفف نسبة البي سي في، لكن قد تتكرر المشكلة عند الشخص المتبرع، إضافة إلى اختلاف الوعاء الدموي، الذي يخرج من منه الدم في الحجامة أو التبرع، فالأخير يؤخذ فيه الدم من وريد واضح قريب من سطح الجلد، أما الحجامة فهي تعتمد على نضح الدم من أطراف الشعيرات الدموية الى الجلد عن طريق التشريط وهذه إليه مختلفة".

يتابع الفهد، أن "ممارسة الحجامة هي ممارسة طبية تراثية تطورت وانتشرت مؤخرا في كل الدول، ويكفي أن أشهر الرياضيين والرؤساء والاطباء ورؤساء المنظمات الصحية يمارسونها، مع العلم أن هذه الشخصيات لهم خصوصية خاصة من المتابعة الطبية والصحية، حفاظا على حياتهم لأهمية هذه الذوات، علما أن للحجامة في كثير من الدول معاهد حكومية 

تدرسها ويتخرج الطالب ليمارس الحجامة بعيادة خاصة رسمية أو مستشفى خاص بإنصافها، 

كالطب الصيني والاورفيدا الهندي وغيرها".


الرجال أكثر إقبالا

اما رئيس النقابة العامة للطب التكميلي في العراق الدكتورة وفاء الحميدي فتوضح، بان "مجتمعنا مجتمع مسلم ويميل الى كل ما يستند الى ثقافة الدين وسنته وباعتبار الحجامة سنة نبوية، لذا فنجد للحجامة روادها في كل زمان ومكان، وبما أننا ذكرنا أن الحجامة عملية استحثاث للجهاز المناعي، فهي مبدئياً تقوى المناعة الطبيعية للجسم ضد البكتيريا والفيروسات والأجسام الغريبة للقضاء عليها، وهذه من المسلمات عند ممارسي هذا النوع من الطب البديل، ويشاع ايضا بين الأشخاص الذين يثقون بهذا النوع من الطب، لذا زاد الاقبال على الحجامة شأنها شأن كل مهن الطب البديل والتكميلي".

واشارت الحميدي لـ(الصباح) الى أن "الرجال أكثر إقبالا على الحجامة من النساء لمسائل تكوينية تتعلق بكلا الجنسين، وخصوصاً للمدخنين منهم، اما النساء فنرى اكثرهن يلجئن للحجامة بعد سن الامل".


نظامٌ صارم

تكمل الدكتورة وفاء، ان "النقابة العامة للطب التكميلي في العراق تعتمد نظاما صارما لإعطاء ممارسة المهنة بمهن الطب التكميلي السبع، التي نشرت بجريدة الوقائع العراقية بالعدد 4701 لسنة 2022 كتصنيف مهني لنقابتنا، ومن ضمنها مهنة الحجامة، وهذا النظام يعتمد على اختبار المعالج بدءا حين تقديم طلب للحصول على العضوية يعقبها تعلم اخلاقيات وقواعد السلوك المهني لممارسي الطب التكميلي، ومن ثم تأدية قسم المهنة، ليأتي بعدها تقسيمهم حسب نوع المهنة وزجهم بدورات تدريبية منها اساسية، منها تنشيطية وهي مستمرة على مدى أيام السنة لكثرة الطب والاقبال عليها".

وتبين الحميدي، ان "العلاج بالحجامة هو أحد طرق الطب البديل، وهو لا يتقاطع مع الطب التقليدي، فالطب التقليدي أدواته وتخصصاته وللطب البديل والتكميلي ادواته، وهناك شعبة مختصة للطب البديل والتكميلي في وزارة الصحة، لكن هناك ضوابط وتعليمات خاصة لممارسة عمل الحجامة وبعكسها تكون خطورة على المواطن، لمساهمتها بنقل الأمراض الفيروسية الخطيرة كالايدز والتهاب الكبد الفيروسي في حال كونها مخالفة لشروط الصحة والسلامة".

وتوكد أن "هناك جهات رقابية حول ممارسة مهنة الحجامة، فالأمن الوطني وتفتيش وزارة الصحة ولجان النقابة لها دور مهم بتشذيب المهنة ورصد حالات المخالفات وإعطاء التنبيهات والإنذارات، وحسب فقرات النظام الداخلي للنقابة في حال المنتمين للنقابة، وفي حال استمرار المخالفة احالته للجهة القضائية المختصة، اما بالنسبة لغير المنتمين يكون لتفتيش وزارة الصحة اليد الطولى بذلك".


ليست بديلًا

بدوره يؤكد المعالج والبايولوجي محسن العلي أن "الحجامة تُعدّ من الطب التكميلي الذي يمكن أن يُسهم في تحسين بعض الحالات الصحية، لكنها لا تُغني عن العلاجات الطبية الحديثة، خاصة في الأمراض المزمنة أو الحالات، التي تتطلب تدخّلًا دوائيًا أو جراحيًا، وبعض الدراسات تشير إلى فعاليتها في تحسين الدورة الدموية وتقليل الألم، لكنها ليست بديلًا للعلاج الطبي المعتمد".

يضيف العلي لـ(الصباح)، أن "الحجامة تمارس في العديد من الدول، مثل الصين واليابان وألمانيا والولايات المتحدة، وتندرج ضمن الطب البديل والتكميلي، وفي بعض الدول، تخضع لرقابة صحية وتُجرى وفق معايير طبية".

ويتابع، بان "قديمًا، كان هناك العديد من الحجامين التقليديين الذين اشتهروا في الأحياء الشعبية، لكن لم تُوثّق أسماؤهم بشكل دقيق. حاليًا، هناك مختصون 

معروفون بالحجامة، خاصة في العيادات البديلة، لكن لا يوجد اسم محدد يُعتبر الأشهر على مستوى العراق".


أنواع الحجامة

اما المعالج مصطفى الجيزاني فيصف العلاج بالحجامة بالعلاج الطبي الصيني التقليدي، الذي يستخدم منذ اكثر من 3000 عام، ويتضمن أكواب خاصة لإجراء الشفط على نقاط معينة في الجسم من اجل علاج حالات مرضية معينة يتم استخدام العديد من الطرق المختلفة لانتاج فراغ داخل الكوب لإنشاء هذا الشفط، بدءا من تسخين الكوب إلى استخدام مضخة ميكانيكية الى مجرد استخدام الفم لامتصاص الهواء الى الخارج، ما يؤدي الضغط السلبي الناتج من الكوب الى سحب الجلد للأعلى في الكوب، ثم تترك الكؤوس في مكانها أو تحرك حول الجلد لتحسين الدورة الدموية في المنطقة، وتخليص الجسم من السموم، وتحسين الرفاهية العامة، والمساعدة في العديد من الأمراض المختلفة، بما في ذلك الآلام والاخماج والالتهابات ولدغ الثعبان والحشرات". 

ويضيف الجيزاني، بان "هناك عدة انواع للحجامة منها الحجامة الوقائية الدموية، والحجامة الجافة، والحجامة النارية، وحجامة الاصابات الرياضية والكدمات، وحجامة الجهاز الهضمي، والحجامة الجلدية، والحجامة التجميلية، والحجامة النسائية".


الوعي الطبي

المختص باسم الاسدي يوضح لـ(الصباح) مدى الإقبال على العلاج بالحجامة، حيث يؤكد بانه يختلف بحسب الثقافة والمناطق الجغرافية، ففي بعض الدول، تُعتبر الحجامة جزءًا من التراث الطبي التقليدي وتلقى إقبالًا كبيرًا، خاصة في الدول العربية وبعض دول آسيا، ويفضل البعض العلاج بالحجامة، نظرًا لكونه طبيعيًا ويعتمد على تقنيات قديمة.

ويردف: "أما بالنسبة للعلاجات الطبية الأخرى، فيعتمد الإقبال عليها على مدى انتشار الوعي الطبي، توفر الأدوية، والاعتقاد بفعالية العلاجات، بعض الأشخاص يفضلون العلاجات الحديثة بسبب الأبحاث والدراسات التي تدعم فعاليتها"، مشيرا إلى أنه "بصفة عامة، قد يختار الأفراد الجمع بين العلاجات التقليدية والحديثة، حسب احتياجاتهم الشخصية وتجاربهم السابقة".

وينوه الأسدي بأن "المخاوف ازدادت بشأن انتقال الفيروسات والأمراض خلال الإجراءات الطبية، التي تتضمن تلامسا مباشرا مع الجلد".