2003 – 2025.. هل هناك حرب؟

آراء 2025/04/07
...

 علي لفتة سعيد

 

يبدو المشهد مشابِهًا لما حصل قبل وبدايات عام 2003 عند بدء الحرب مع العراق، لتُعلِن الحرب عن أنيابها، وتبدأ عمليات التصديق للتحركات الأمريكيَّة، التي سبقتها التحليلات والتصريحات التي أشارت، في مجملها، إلى عدم وقوع الحرب، وأنَّ رئيس النظام السابق كان يُردِّد ذلك كما يُردِّد قدرته على المواجهة وضرب المصالح الأمريكيَّة في أيّ مكان.

ومع تحرُّك الفرقاطات والبوارج وحاملات الطائرات، ونشر المارينز، وتنشيط القواعد العسكريَّة في أوروبا والخليج وقبرص، بل وحتى تحريك الوحدات من داخل الولايات المتحدة، ظلَّت الأغلبيَّة تقول إنها مجرَّد استعراضات عسكريَّة، وإنَّ النظام السابق، الذي أصبح مُنهَكًا من الداخل، ويقف على أربعة عكَّازات من الخوف والقمع والحصار وانهيار المؤسسات العسكريَّة، لن يكون قادرًا على المواجهة، رغم أن رئيسه كان يتجوَّل في «بدلته العسكريَّة» ويضخُّ التصريحات الرنَّانة، (يا حوم اتبع لو جرّينا). لكنْ لم يبقَ منه سوى التصريحات، التي ضخَّها الإعلام الغربي والعالمي، بأنَّ الحرب لن تقع، وأنَّ أمريكا لن تُقدِم على الهجوم ولن تُنفق المال والبشر لإسقاط نظامٍ، سيسقط داخليًا.

ومع ذلك، قامت الحرب، وسقط النظام، لأنَّ الداخل لم يبقَ مُتماسكًا، ولأنَّ المواجهة كانت غير متكافئة، ولأنَّ فلسطين، التي كان يترنَّم بها، لم تَعُد نشيدًا عربيًا، بل أصبحت مجرَّد ورقة استُغِلَّت عاطفيًا.

لكن عام 2003 ربما يشبه عام 2025، وهذه المرّة مع إيران. تحرُّك الفرقاطات وحاملات الطائرات، وتحشيد العالم، وتسارع الخطى في التصريحات الأمريكيَّة، التي انتقلت من لسان جورج بوش الأب والابن إلى دونالد ترامب، الذي يتميَّز بعنجهيَّة تُشبِه رأسَ الثور الهائج، الذي إنْ أصابته العصبيَّة ورأى اللون الأحمر، فإنه لا يعرف سوى المصادمة لتفريغ الغضب.

الاختلاف، أنَّ تلك الأيام كانت مع العراق، أمّا اليوم فالمواجهة مع إيران، رغم أنَّ الدولتين تشابهتا في الإنهاك الاقتصادي، كما أن التحشيد العالمي ضدّ سياستهما يبدو متشابهًا. لكنْ لا أحد يستطيع إيقاف التهديدات الأمريكيَّة سوى أمريكا نفسها. وربما تكون الصدامات بين القوى العظمى متشابهة أيضًا، فقد كانت روسيا مشغولة بأفغانستان، والصين بتحرُّكات تايوان، وأوروبا كانت تحاول الحفاظ على استقرار الاتحاد الأوروبي الذي بدأ يتشكّل بعد حرب الصحراء الأولى (غزو الكويت)، ثم بعد عشر سنوات من غزو العراق.

السؤال هنا: هل هناك حربٌ قادمةٌ في منطقة الخليج؟

لقد تصاعدت التوتّرات بين أمريكا وإيران، الأمر الذي يعني انبثاق السؤال القديم نفسه: هل ستكون هناك مواجهة عسكريَّة؟ أم أنَّ الأمر لن يتعدى حربًا كلاميَّة يتم فيها تفريغ الشحن السياسي؟ وهل ستستفيد إيران من التجربة العراقيَّة السابقة في توجيه تحرُّكاتها الجديدة، ودراسة الواقع من دون الخضوع، كما فعل النظام العراقي السابق، الذي سلَّم كلّ شيء، بدءًا من التفتيش النووي، وصولًا إلى تسليم الأسلحة التي اعتُبِرت مخالفة للمصالح الأمريكيَّة، المتّصلة بشكلٍ مباشرٍ بمصالح الكيان الصهيوني؟

إنَّ إيران تختلف كثيرًا عن العراق. 

فحكَّام العراق كانوا أكثر عصبيَّة وعاطفيَّة، ويتصرَّفون بردود أفعالٍ تشبه تصرُّفات شيخ العشيرة. 

بينما إيران دولة قوميَّة تعمل لمصلحة شعبها ووجودها، لا لمصلحة الآخرين، بل إنها تسيطر على مقدرات 

الآخرين. 

كما أنَّ إيران تمتلك نَفَسًا طويلًا في التعامل، حتى لو كان براغماتيًا، فهي تسعى في النهاية لتحقيق مكاسب أو تقليل الخسائر إلى أدنى حدٍّ 

ممكن.

 وهي تدرك أنَّ رسالة ترامب تنطوي على مخاطر كبيرة، أبرزها قضيَّة فلسطين، ووقف دعم الجماعات المسلحة، وكذلك هو طرحٌ واقعيٌ بالنسبة لها، لأنه يجنِّبها الانزلاق إلى المصير نفسه الذي واجهه العراق، لكنها لن تستسلم بسهولة، بل ستُناور بأساليب مختلفة، إعلاميًا، وسياسيًا، ومن خلال تعزيز وجودها ككيانٍ فاعلٍ في 

المنطقة.

كما أنها تعلم أنَّ وقوع الحرب لن يضرّ أمريكا كثيرًا، فهي ليست دولة فقيرة حتى يؤثِّر فيها ارتفاع أسعار النفط عند استهداف المنشآت

 النفطيَّة. 

لكنَّ إيران لن تكون سهلة كما كان العراق، ليس بسبب قدراتها العسكريَّة وصواريخها، فهذه ستكون حتمًا هدفًا للاستهداف الأمريكي، بل لأنها لا تتصرَّف بعقليَّة رئيس قبيلة، بل كدولة مؤسّساتٍ لديها قنواتٌ غير مباشرة للمناورة والتفاوض.

إيران ترى أنَّ أمريكا تُكثِّف وجودها العسكري، ومن ذلك نشر قاذفات B-2 الشبحيَّة في قاعدة (دييغو غارسيا) بالمحيط الهندي، إلى جانب تعزيز العمليات الجويَّة ضد الحوثيين في اليمن. وسحب روسيا الى منطقتها وتفجير التظاهرات في تركيا وإنهاك محور المقاومة كي لا يكون باستطاعتها التأثير في قواعدها.

كما تدرك أنَّ الإعلام الغربي، الداعم للسياسة الأمريكيَّة، يُوجِّه تحليلاته نحو تغيير بوصلة الموقف، قبل وقوع أي انفجار، زاعمًا أنَّ إيران تدرس شنَّ هجومٍ استباقي على قاعدة أمريكيَّة - بريطانيَّة في المحيط الهندي كإشارة تحذيريَّة للولايات المتحدة.

إنَّ إيران تعي أنَّ المواقف الدوليَّة، كفرنسا والدول الأوروبيَّة، تصرح لتجنيب المنطقة التصعيد العسكري، وهو ما يُشبه إلى حدٍّ كبير ما حصل مع العراق في السابق. لكنها لا تبني مواقفها بناءً على تحليلات السيناريوهات، بل وفقًا لحسابات واقعيَّة تمنحها هامشًا أكبر للمناورة، بوصفها دولة تمتلك مؤسّساتٍ قادرة على إدارة الأزمات، وقنواتٍ خلفيَّة يمكنها من خلالها استخدام “لسان” يُجَنِّبها الدخول في مواجهة مفتوحة. لأنَّ ما حصل مع العراق –حين جرى تكذيب احتماليَّة الحرب ثم اندلعت بالفعل، قد حصل، وخسر العراق الكثير، ولا يزال يخسر.