نوزاد حسن
قبل أيامٍ نقلت بعض الفضائيات حديثاً عن ساسة أميركان أثاروا موضوع غزة، وجزم أكثر من سياسي أنَّ غزة ملفٌ فوق الطاولة.
هذا يعني أنَّ حلم ترامب لم ينته بعد، وأنَّ فكرة نقل أهل غزة الى شتات جديد وارد. يبدو أنَّ للسياسيين أحلاماً تتفاوت في ما بينهم بحسب القوة التي يضع هذا السياسي أو ذاك يده
عليها.
مكروهٌ جداً ما قيل. غزة في نظرهم مجرد ملفٍ على طاولة. أنا أتحدث هنا وفي ذاكرتي شريطٌ طويلٌ من سنوات حطمت أعصابنا حين كنَّا ملفاً أمام مجلس الأمن، أو حين كنَّا ضحايا نظامٍ يغامر بنا في حروبٍ
لا تنتهي.
عندنا ذاكرة تحسُّ مباشرة بألم طفلٍ أو امرأة أو شيخٍ في غزة. لقد ذقنا مرارة تحويلنا الى ملفٍ يغلقُ ويفتحُ، ثم دفعنا ثمن كل تلك السنوات خسائر لا يمكن تعويضها.
على هذا الأساس يتعامل الجميع مع غزة وكأنها مجموعة من الأوراق ستقرأ على مهلٍ ثم يصدر قرارٌ ما بشأن أهل ذلك القطاع المدمر.
تصنع الحرب لضحاياها وعياً خاصَّاً بهم. القادة المتحاربون لن يلمسوا شيئاً من عذاب الساعات الرهيبة التي يصنعها الموت الذي يحصدهم بالعشرات. وبمرور الوقت يتشنج وعي الضحيَّة الذي فقد منزله وأطفاله وكل
شيء.
إنَّ الصراخ بصوتٍ عالٍ، والعويل، وهستيريا النداء اليومي المرسل من خرائب غزة للعالم لإيقاف الموت الذي يحصدهم بالعشرات، إنَّ كل تلك المظاهر هي نوعٌ من حيرة العقل ازاء كل ما يجري. وقد عشنا هذا الفصل المقلق بتفاصيله المملة المليئة بالجوع والموت
والانهيار.
لكنْ هل يمكن أنْ يفكر العدو بأسلوب كسر الذراع للحصول على ما يريد. الضغط، القتل اليومي، التدخل العسكري البري، وسائل لتحريك الملف على الطاولة. وهنا سنعود الى ذاكرة الغزاوي
أيضاً.
ولا يمكن أنْ تخلو ذاكرة ذلك الشعب من يقينٍ قويٍ بأنَّ الخسائر قد تعوض لكنَّ حدود غزة لا يمكن تعويضها أو الاستغناء
عنها.
الملف على الطاولة يأمل في وصول الناس الى نقطة اليأس ليغادروا بعد مزيدٍ من تدمير ما تبقى هناك. على هذا يعول صاحب ملف غزة.