محمد شريف أبو ميسم
كشفت احتجاجات المهاجرين الاثيوبيين “أو ما يطلق عليهم بالفلاشا داخل الكيان الاسرائيلي” زيف ما يقال بشأن الديموقراطية التي يتكلم عنها البعض بوصفها أنموذجاً في هذا الكيان، بعد مقتل شاب اثيوبي على يد ضابط شرطة خارج الخدمة، وإطلاق سراحه بدعوى وضعه رهن الحبس المنزلي.
هذه الحادثة يبدو وكأنها القطرة التي أفاضت الكأس، ازاء واقع التمييز العنصري الذي يعاني منه هؤلاء الاثيوبيون وسواهم من المستوطنين الملونين، فعلى غير المتوقع أشعلت هذه الحادثة غضباً غير مسبوق في أوساط اليهود الإثيوبيين في داخل هذا الكيان، ما يؤكد صدق ما ينقله بعض النشطاء المعارضين للكيان الاسرائيلي بشأن ما يواجهه هؤلاء الاثيوبيون الذين تصل أعدادهم الى نحو 150 ألفاً، موزعين بين 19 بلدة، في أحياء فقيرة ومهملة وسط أجواء من العنصرية والتحريض عليهم بوصفهم من ذوي البشرة السوداء، فيما نقل عن العديد من المشاركين بالاحتجاجات قولهم “ان شبابهم يعيشون في خوف دائم من مضايقات الشرطة لأنهم من ذوي البشرة السوداء”.
الأمر الذي يؤكد محاولات التعمية والتعتيم بشأن التمييز العنصري، من قبل وسائل الاعلام التي تمولها الرساميل الداعمة لهذا الكيان، فضلاً عن الاعلام الموجه في الدول الحليفة له، لولا صفحات “السوشيال ميديا” التي كشفت عورة هذا الكيان وزيف ديموقراطيته المتكئة على التمييز وعلى سلطة المال، والتي يحاول تسويقها في الأوساط الشبابية المأخوذة بالتأثيرات السمعية والبصرية في عموم البلدان العربية، بالتزامن مع موسم التبشير بالحرية والرفاهية التي ستأتي بها صفقة القرن كما يروج لها بنصف فم.
وعلى هذا يمكن القول، ان تداعيات هذا الحادث وضعت تخرصات المبشرين بنسائم الحرية والرفاهية والديموقراطية وحقوق الانسان، من مضارب بني صهيون القائمة على اغتصاب حقوق الغير، في موضع الطوباوية الساذجة، ليس لأن تاريخ هذا الكيان الذي لا يتعدى السبعين عاما الا ببضعة أشهر، مليء بانتهاكات حقوق الانسان والمجازر الجماعية وتزييف الحقائق التاريخية والاعتداء على حقوق الآخرين وحسب، بل لأن نمط السلوك اليميني المتطرف الذي تقوده سلطة رأس المال في هذا الكيان والذي يراد له أن ينسحب على الأراضي الممتدة من النيل الى الفرات في اطار ما سمي بصفقة القرن تحت مظلة الاستثمار الأجنبي المباشر، لا يمكن أن يتوانى عن تقطيع أوصال العباد وتدمير مقومات الحياة في بقاع هذه الأراضي واثارة الفتن ودعم الاستقواء لحساب هذا الطرف أو ذاك داخل حدود الدول المجاورة له، في وقت يتباكي فيه على حقوق الانسان وحقوق الأقليات بهدف تكريس واقع الفرقة والتشتت ومن ثم القفز على الحقائق بهدف فرض الوصاية القائمة على الغلبة والتفوق في اطار الليبرالية الجديدة التي تمنح سلطة رساميل العولمة حرية التحكم بمقدرات الناس وادارة قوالب الحكومات في صنع القرار السياسي من الحديقة الخلفية للنشاطات الاستثمارية، ومن ثم تصنيف العباد في هرم السيادة والعبودية تحت مظلة الادهاش التي تصنعها أدوات العولمة الثقافية.