يمكن اعتبار أزمة الطاقة الكهربائيَّة من المعضلات المستديمة التي يكابد معاناتها العراقيون كل عام وفي ذروة أشهره الساخنة التي تصل الى مستويات عالية جداً تفوق الـ٥٥ درجة مئوية وفي مثل هذا الجو اللاهب إذا ما حدث في إحدى الدول الأوروبية مثلاً قد تحدث وفيات كثيرة ولكنْ لحسن الحظ إنَّ شعبنا قد تأقلم مع هذا الطقس لسنوات طوال.. لكنَّ ثمة أسئلة تدور في خلد الناس ما الذي يجعل هذا المشكل عقدة مستعصية الحل رغم توفر الإمكانات المادية والبشرية والسياسية والتي بإمكانها حلحلة هذا الوضع الشاذ؟. وفي البدء أولاً علينا الاعتراف أنَّ كميات الطاقة التي يستهلكها الفرد العراقي قد ارتفعت كثيراً بالقياس الى ما كان يستهلكه سابقاً، إذ كانت الأسرة الواحدة لا تملك في المنزل الواحد سوى تلفزيون وثلاجة ومبردتين ومجمدة ومراوح كهربائية، وقد يكون العامل الاقتصادي الذي تطور كثيراً لصالح المواطن من حيث الرفاهية المعيشية ومستوى متطلبات استخداماته اليوميَّة، فاليوم أصبحت البيوت العراقية لأسر متوسطة في المجتمع تمتلك التلفزيونات اللوحية الكبيرة وعلى عدد الغرف الموجودة في المنزل وكذلك وجود أكثر من ثلاجة ومجمدة وأيضاً وسائل التبريد تغيرت، فمبردة الهواء الكلاسيكية لم تعد ملائمة في ظل تطور وسائل التبريد فلم تعد الأسرة تكتفي بسبلت واحد او اثنين بل يشمل هذا جميع الغرف وأنا هنا لا أجمّل واقع الكهرباء وأسبغ عليه التبريرات ولكن من باب الحقيقة والإنصاف والنظر للمشكلة من جميع جوانبها بموضوعية وحيادية ولكن في كثير من دول العالم تمتلك مثلما يمتلك العراقيون ولو افترضنا جميعهم.. فهل تقف الحكومة عاجزة عن إمداد الطاقة للمواطن بما يكفيه ويلبي احتياجاته؟ لا شكَّ أنَّ أي حكومة وطنية تطمح لذلك ورغم تداول وزراء للكهرباء مع كل دورة انتخابية ومعها تنطلق الوعود بإمكانية الحلول الناجعة لمشكلة مستديمة عصية على الحل وفي الآخر نفاجأ في ذروة الصيف أنَّ تلك الوعود لم تكن سوى مورفينات مسكنة للآلام لامتصاص نقمة المواطن الذي تذمر وتأفف وتظاهر من دون فائدة. ويبدو أنَّ الفساد الفاضح والنهج السياسي التوافقي أحد أسباب الإخفاق السياسي، ليس لمشكلة الكهرباء وحسب بل لكل مشكلات العراق ورغم تشخيص السياسيين لتلك العلة إلا أننا نراهم يتلاهثون على المناصب في بورصة البيع والشراء للمواقع السياسية وبالعملة الصعبة وفي حقبة الوزارة الحالية شرعت الحكومة الجديدة وهي أمام تحدٍ مصيري لحل مشكلة الكهرباء فتفاوضت مع الجانب الألماني ومع شركة سيمنس برئاسة الدكتور عادل عبد المهدي ومع المستشارة الالمانية ميركل بتوقيع صفقة إنهاء أزمة الطاقة الكهربائية في العراق وفعلاً تم التوقيع وباشرت الشركة أعمالها في العراق ويبدو أنَّ الأمر فيه جدية واستيعاب للمشكلة بينما كانت الصفقات التي تُعقد سابقاً إما وهمية يسيطر عليها اخطبوط الفساد لابتلاع الأموال المرصودة لتلك الصفقات وكشفت الكثير منها أمام الرأي العام العراقي ورغم حرارة الجو في صيفنا المستعر إلا أنَّ إمكانية صبر المواطن يقل ولا يتحمل سنة أو سنتين لما تنجزه الاتفاقيات وتلك إحدى اسقاطات الحكومات السابقة التي لم تعالج المشكلة من أساسها بل لجأت الى حلول ترقيعيَّة يكتنفها الفساد ولعلَّ أكثر التبريرات التي اعتاد عليها المواطن من وزارة الكهرباء ونتمنى ألا تتكرر هذا العام هي:
1 - الوضع الأمني والإرهاب
2 - عدم تجهيز وزارة النفط لاحتياجات وزارة الكهرباء لتشغيل المحطات.
3 - الصيانة الموسميَّة.
4 - عدم وجود تخصيصات ماليَّة.
5 - ازدياد حجم الاستهلاك الكهربائي مقارنة بالفترة السابقة.
6 - ارتفاع درجات الحرارة غير الاعتيادية وازدياد الطلب على الكهرباء.
7 - كثرة اقتناء الأجهزة الكهربائية من قبل المواطن.
8 - عدم التزام الدول المجاورة بتجهيز الكهرباء حسب الاتفاقيات المعقودة وتلكؤها.
9 - تعرض الأبراج الكهربائية لأعمال إرهابيَّة.
10 - كثرة التجاوزات على الشبكة الوطنية من قبل المواطنين.
11 - عدم الترشيد في استهلاك الطاقة من قبل المواطنين.
12 - التخاصمات العشائرية وإطلاق العيارات النارية تؤدي الى تعطل محطات التوليد.
في كل مرة يذكر أحد هذه الأسباب لكن من دون أن يتجرأ أحدٌ من مسؤولي الكهرباء ويقول بسبب وجود الفساد لا تستطيع وزارة الكهرباء تقديم أحسن الخدمات المطلوبة والاكتفاء الذاتي من الطاقة وأيضاً إخفاق المسؤولين ووعودهم بتحسن المنظومة الكهربائية كل عام.