مصائر الحزبية العراقية

آراء 2019/07/15
...

ابراهيم العبادي
 
من دون مفاجآت ولا تحقق للمراهنات التي استبقت انعقاد مؤتمر حزب الدعوة الاسلامية،  انهى الاعضاء الاربعمئة مؤتمرهم السابع عشر  بتجديد الثقة بالسيد  نوري المالكي امينا عاما، وانتخاب اعضاء مجلس الشورى الذي اوكلت له مهمة اختيار الهيأة القيادية، وتم اصدار بيان ختامي مقتضب ، خلا هو الاخر من كل جديد انتظره الخائفون على الدعوة والخائفين منها،  بنجاح انعقاد المؤتمر  يكون حزب الدعوة  قد عبر ازماته الظاهرية التي كانت تعصف به وتهدد وجوده، والتي عطلت انعقاد مؤتمره وكادت ان تشقه شقا جديدا، فنجح تنظيميا وحفظ للحزب كيانه ووجوده، لكن السؤال الاهم،  هل نجحت الدعوة في عبور الازمة البنيوية العميقة،  مثلها مثل كل قوى الاسلام السياسي التي رفعت شعار الاسلام هو الحل، بكل صنوفها ونظرياتها؟ لماذا يتفادى فتح ملفات تهدد وجود الحزب مستقبليا رغم الحاحها وراهنيتها؟ قد نتفهم ذلك، بالرغبة في عبور أزمة المنعطف الحالي بالابقاء على وحدة الحزب وكيانه، وانتظارا لظرف اسلس وفرصة مواتية،  لكن هل يستطيع الحزب فعلا ان يجري مراجعة جادة وعميقة لفلسفة وجوده وفكره،  ليتحول الى حزب سياسي في دولة ديمقراطية،    بدل البقاء حزبا عقائديا يتعاطى العمل السياسي بمنطق التجريب والممارسة بلا رؤية ناضجة ولا تأسيس نظري عميق مستوعبا لتطورات الفكر والسياسة ؟. 
كانت التوقعات تشير الى احتمال تخلي القيادة السابقة للحزب عن مواقعها والذهاب الى حوار وجدل كبير،  يتناول سيرة الحزب  ومواقفه وستراتيجيته السياسية بعد عام 2003، والاسباب التي قادت الى هبوط شعبية وهيبة واحترام الدعوة وتحوله الى رقم حزبي راكد،  رغم اصرار اعضائه  على التشبث بنظرية التغيير والاعتداد بتاريخ نضالي عتيد والتمسك بالاهداف الكبيرة  التي كانت ترسم في مخيلة العاملين في صفوفه،   في اسلمة المجتمع والدولة وبناء نموذج حكم وفق احدى النظريات الاسلامية،   كانت ثمة اسئلة كبرى، تعين على مؤتمر الحزب الاجابة عليها، من قبيل البقاء كتنظيم اممي يهدف الى اقامة حكومة اسلامية بالمواصفات التي كانت تمثلها  اسس الحزب الفكرية، وكان على الحزب ان ينجز صياغة مقنعة لفكر جديد متكيف مع المراحل السياسية التي مرت على العراق،  والتي حملت زعامة الحزب والكثير من كوادره واعضاءه الى هرم السلطة، ولماذا اخفق الحزب في ان يترك نموذجا اخلاقيا  وقيميا ناجحا يوازي نموذجه الساحر ابأن مرحلة النضال السري ولاحقا ابان  المواجهة العلنية ضد السلطة القمعية الاستبدادية؟، والسؤال الاهم لماذا تخشى الاحزاب الدينية الاعتراف باخطائها والاشارة الى مشكلاتها الداخلية،  من قبيل المصارحة مع جمهورها المفترض والجمهور العام الذي يراقب ويسمع ويتأثر،؟  كون الحزب  صار يمثل عنوانا للمرحلة،  خصوصا عندما يشارك في الحكم ويتحمل  مسؤولية الادارة السياسية للدولة بكل ما يترتب عليها من مشكلات واخطاء ومساوئ مثلما يطمح الى جني المكاسب السياسية والسلطوية .
كان حزب الدعوة ومايزال عنوانا اصيلا للاسلام السياسي بلحاظ نظريته وفكره الحركي وغاياته السياسية، وعندما يعجز الحزب عن مواكبة المتغيرات الهائلة التي عصفت  ببلدان المنطقة وشعوبها وانظمتها ويظل جامدا على اسسه الفكرية ومنظومته الثقافية،  ولا يلحظ تغير الفكر والسياسات والتحالفات والثقافات والامزجة الشعبية ولا يدرك التحديات الكبرى التي تواجه البلاد،  في صميم تحولات اجيالها الشابة وفي عصر التحولات الرقمية والثورة الاتصالية، فان ذلك يدل على ان الجمود الفكري والعوق الثقافي والنضوب المعرفي يهيمن على هرمية الحزب، وهو غير قادر على التحول من تنظيم دعوي تبشيري الى حزب سياسي يتماشى مع مقتضيات الواقع ويستجيب لطوارئه ومستجداته، لقد اخفقت الدعوة في الارتقاء بحركيتها الفكرية الى ما يوازي ديناميكية حركة النهضة التونسية وحزب العدالة والتنمية التركي، وكلاهما ينتمي الى المدرسة الاخوانية السابقة على تجربة الدعوة،  وبدل ان يعيد الحزب التفكير الجديد ببنيته الفكرية وتقاليده السياسية، كان الهم الاكبر لاعضاء الحزب العبور من عنق الزجاجة والنجاح في لم شمل المحاور والتكتلات  والمحافظة على نسيجه التنظيمي، لكن اسئلة التجديد وجدل الاجيال ومقتضيات الزمان السياسي لم تحل على فكر المؤتمرين وبالتالي خرج الحزب الاهم في تركيبة قوى الاسلام السياسي الشيعي، من مؤتمره وهو يبارك لنفسه الابقاء على وجوده موحدا  خاضعا لاشتراطات  الواقع الاجتماعي العراقي من عشائرية ظاهرة ومضمرة،   وزعاماتية  محاطة بالاتباع،  ومحاور لا تلبث ان تستعيد حيويتها بعد كل خلاف،  وقيم تمثل  انعكاسا لقيم الشارع العراقي المأزوم، بانقساماته وخضوعه لزبائنية سياسية تستمد وجودها من اقتصاد ريعي، وديمقراطية غير جوهرانية،  ورمزية تقوم على منطق القبائلية السياسية  والتوريث والبيوتاتية وكارزما الاخذ والعطاء .
كان هناك امل كبير في ان يصارح حزب الدعوة نفسه كثيرا   ويطرح الاسئلة الملحة ولا يتعجل  اجوبة التساؤلات،  لغاية نضوج المراجعة والنقد الداخلي بجرأة وشجاعة  ليكون ذلك رصيدا للحزبية العراقية المعافاة التي تنشد بناء الدولة برؤى اصلاحية حديثة، اما وقد اكتفى الحزب بالمحافظة على كيانه سالما من التصدع، فالمعنى الجوهري سيقود  حتما الى المقارنة مع نظرائه من الاحزاب العتيدة. ، التي شغلت ساحة الصراع الحزبي والايديولوجي والسلطوي في العراق طيلة ستين عاما  واكثر، والتي انتهت الى مصائر متماثلة، اي بقاء المؤسسة السياسية بقوام وهيكل مع انحسار التأثير ومفارقة كبيرة مع نظرية التأسيس فكرا وسلوكا  وانعدام القدرة على مماشاة نبض الشارع وتحولاته، وفي ذلك سؤال سيظل بلا اجابة، لماذا تنتهي الاحزاب الايديولوجية المغلقة الى نفس المصير؟.