نصير فليح
لا يزال العراق موفقاً بدرجة جيدة في سياسة التوازن في الصراع الجاري بين الولايات المتحدة وإيران. وهو موقفٌ لم يثر تذمرات عالية الصوت من الطرفين. مع هذا فإنَّ الحرب إذا اندلعت، سيكون العراق من المتضررين الرئيسيين فيها، لا سيما أنَّ أكثر واردات العراق تأتي من تصدير النفظ عبر الخليج ومضيق هرمز، هذا فضلاً عن احتمالات قيام أحد الطرفين بعمل عسكري في نطاق الأراضي العراقيَّة. ولكن الى أين تتجه الأمور أصلاً في هذا الموضوع الذي يزداد توتراً وتعقيداً وتشابكاً؟
المهلة التي حددتها إيران للانسحاب الجزئي من الاتفاق النووي وتهديدها بزيادة تخصيب اليورانيوم أصبحت أمراً واقعاً، مع الإعلان الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأنَّ إيران تجاوزت الحد المسموح به، وهو ما لم تخفه إيران بل سبق أن أعلنته. ووكالة فارس الإيرانية للأنباء نفسها ذكرت أنَّ مخزون البلاد من اليورانيوم تجاوز الآن حاجز 300 كلغم المسموح به ضمن الاتفاق السابق. الدول الغربية بادرت الى حث إيران على التمسك بالاتفاق النووي، لكي تبقى هي أيضاً ملتزمة به. لكنَّ إيران تقول إنَّ الدول الغربية لم تلتزم، وإنما ظلت تماطل دونما حلول ملموسة على مدى أكثر من عام من انسحاب الولايات المتحدة.
هذه التطورات تأتي في مرحلة مهمة في الولايات المتحدة في ضوء الاستعدادات للانتخابات الرئاسية عام 2020. فإذا وصلت الأمور الى حد المواجهة العسكرية، فإنَّ ترامب والجمهوريين من خلفه سيبدون مسؤولين بدرجة كبيرة في عين الناخب الأميركي عن هذه الحرب التي قد تسبب خسائر ملموسة مادية وخسائر بالأرواح أيضاً، لأنَّ هذا التصعيد كله بدأ مع انسحابه من الاتفاق النووي مع طهران. كما أنَّ احتمال تراجع ترامب عن موقفه والعودة الى الاتفاق النووي السابق الذي عقده أوباما والدول الراعية (ما عرف بصيغة خمسة زائد واحد) يبدو أمراً مستبعدا إنْ لم يكن مستحيلاً، فهو إقرارٌ علنيٌّ بفشلٍ كبيرٍ في السياسة الخارجيَّة.
المتوقع أنْ يستمرَّ التصعيد بين الطرفين بفكرة تحفيز الطرف الآخر على بدء عمل عسكري. عندها سيكتسبُ الطرف الآخر شرعية الرد المعنويَّة. ولكنْ ما هي الطرق التي يمكن أنْ تلجأ إليها الولايات المتحدة الى مزيدٍ من الضغط على إيران لأجل دفعها الى عمل عسكري، واكتساب شرعية الرد بالتالي في عين الكونغرس والرأي العام الأميركي والعالم؟
الحادثة الأخيرة التي تم فيها إسقاط طائرة أميركية من دون طيار لم تكن كافية لبدء مواجهة عسكرية، ولكن ربما سيكون الأمر مختلفاً في المرة القادمة. فمن جهتها يبدو أنَّ إيران أدركت أنَّ آخر ما ينفعها هو البدء بعمل عسكري، ولهذا ستعمل على الانسحاب التدريجي من الاتفاق النووي لتترك الولايات المتحدة أولاً، وأوروبا ثانياً، أمام الأمر الواقع. أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد ظهرت علامات على سعيها لتكوين تحالف دولي عسكري ضد إيران في منطقة الخليج بعنوان (تأمين حركة التجارة والنقل البحري). وعندها فإنَّ أي عمل عسكري سيكون بعنوان (التحالف الدولي ضد إيران) لا (الولايات المتحدة ضد إيران).