الفنون والآداب ودورهما في بناء ثقافة الطفل

اسرة ومجتمع 2019/07/16
...

حيدر علي الاسدي 
ربما يكون العنوان غريباً بعض الشيء ، ولكنه ما توصلت اليه من خلال بحثي الدائم والمستمر، ومن خلال ما امتلكه من معلومات كبيرة تحت يدي الان وانا اخوض تجربة واقعية عبر تأليفي لكتاب بعنوان ( العلاج بالفن)، وقبلها اود ان اتحدث على ان الفنون والاداب، لم ترسم لنفسها عداءً للدين ولا الانسانية بل على العكس تماما هي من عززت هذه الجوانب بوصفها وسيلة من الممكن نقل الافكار عبرها ، لذلك استخدمها الخطاب الديني  كثيراً، ولم يكن ثمة مجال معين الا ودخل الجانب الفني والادبي فيه، وبالتالي لم يكن يوما الخطاب الفني والادب ترفاً وشغل (من لا شغل له) بالعكس هو تسامي ورقي كبير وحضارية متفردة تعلي من شأن الانسانية وترسخ قيمها الايجابية وتعمل على هذا الامر بشتى الاساليب والطرق، والامر تعدى هذا كثيراً، اذ اصبحت اليوم الفنون والاداب وحسب النظريات الحديثة مجالا خصباً للعلاجات وبناء شخصية الاطفال.
طلبة المدارس
وفي مجال الاهتمام برقي الذائقة التربوية والاخلاقية والسيكولوجية لهم وبخاصة ( طلبة المدارس) او حتى غيرهم ، نجد عروض مسرح الدمى والعرائس ومسرح الطفل والمسرح المدرسي والمسرح التربوي والتعليمي ، وما تشتمل على قيم كبيرة من المعاني التعليمية ، والتي تاخذ على عاتقها توجيه الاطفال بصورة صح نحو القيم الايجابية ونبذ المظاهر السلبية بجميع تفصيلاتها ، ومن خلال هذا المسرح صار يمكن ان يتم تحويل المناهج الدراسية ( ومعلوماتها) عبر العمل الفني الى مادة سلسة ، وسهلة الفهم والهضم والاقناع ، وبالتالي التأسيس لطرق واساليب تدريسية جديدة تكسر نمط التقليدية والتلقين الاحادي في مجالات تعليم الاطفال في المدارس ، ومنها ادخال الوسائل الفنية والمتعالقة مع الوسائطية في المجال التعليمي التربوي وكذلك استخدام تقنيات الاداء الفني في قاعة الدرس وتحويل اداء الدرس الكلاسيكي الى طريقة فنية معبرة في ايصال المادة العلمية ، وبالتالي ترسخت هذه التجربة ووثقت عبر عشرات البحوث والدراسات التي اكدت عمق هذه الطرق والاساليب ومواكبتها للحداثة في التعليم والاخذ باتجاه التعليم التفاعلي الذي يشترك فيه التلميذ لاستحصال المادة المنهجية العلمية ، وما تتضمنه من قيم تربوية وفكرية وبخاصة بعض التعليم الخاص من قبيل التعليم المسرع والمتأخرين دراسيا وما شاكل ذلك.
 
مسرح الدمى والعرائس
ولنا في مدينة البصرة تجارب رائدة ومهمة في هذا المجال عبر قسم التربية الفنية في كلية الفنون الجميلة (جامعة البصرة) والذي اسس لخطوة اكثر من رائعة متمثلة بمهرجان (المسرح المدرسي) ومهرجان (مسرح الدمى والعرائس) والذي يقوم على اخراج طلبة القسم لعروض مسرحية هادفة للاطفال تخرج من اطار قاعة الدرس ومن الحرم الجامعي وتتوجه كلياً الى المدارس لتقدم لهم تلك العروض المسرحية بشيء من المرح والفكاهة والمعلومة والابهار والتشويق الذي يجعل الاطفال في تفاعل كبير باستحصال المعلومات ، وهذه التجربة اسس لها في هذا القسم (الدكتور سيف الدين الحمداني) ومعه الطلبة الذين احبوا فكرة الانفتاح على المدارس واقامة مشاريعهم الفنية للعروض المسرحية المتعلقة بالاطفال داخل المسرح  اذ يقام المهرجان سنويا مرتين، الاولى متعلقة بالمسرح المدرسي والاخرى بمسرح الدمى والعرائس، وهي تجربة تقام سنويا بجهود تطوعية من الطلبة وبعض الكوادر التدريسية وبالمقابل تفتح التربية في البصرة مدارسها لهكذا عروض، وكوني كنت احد الشهود على هذه التجربة والمشاركين في اخرها ، فقد تلمست مدى التفاعل الكبير من المدارس واداراتها والاطفال الباحثين ، عن هذه الاساليب في التعلم ، والامر لم يقتصر على هذا الحد في الفنون والاداب بل ان التطورات الحداثوية اخذت تجرب كثيراً وصولاً الى تمازج الفنون والاداب بالجوانب العلمية ، وهو ما اثبتته الدراسات العلمية ، اذ بات من الممكن استخدام الفنون ( المسرح) (التشكيل) (الموسيقى) وغيرها في العلاجات، وليس العلاجات السيكولوجية وحسب، بل حتى علاج تلك الامراض العضوية التي تبدأ بمشكلة سيكولوجية كالعصبية التي تقود مرارا لامراض القولون وغيرها ، وبالتالي شكلت هذه الفنون علاجات حقيقية للعديد من الامراض ، فمثلا اصبحت الموسيقى تقدم العلاجات للاطفال الانطوائيين وكذلك ذوي الاعاقة العقلية ، والاطفال المصابين بالاكتئاب والتوحد وغيرهم ، بل حتى من الشرائح الذين هم اعلى مرحلة عمريا من الاطفال كالمراهقين مثلا ، كما تستخدم الموسيقى ايضا في تحسين مستوى النمو لاطفال التوحد. 
 
العلاج بالموسيقى
ومن المهتمين بطريقة العلاج عبر الموسيقى: فسيلس،هارت ابير، سيمور،فان دي وال، والذين اصدروا كتاباً حول استخدام الموسيقى في السجون والمصحات العقلية ابان الحرب العالمية الثانية والذين اظهروا دور الموسيقى في العمل على رفع الروح المعنوية لدى جرحى الحرب،ويستخدم المسرح  العلاجي او السيكودراما بتحسين مهارات التواصل والانفكاك من العزلة وتعزيز الهوية والذات وعلاج الرهاب لدى الاطفال ، اذ مع تطور الادب وتقدمه وتفرعه  وتعدد الاجناس ظهرت مفاهيم واصطلاحات في الادب والفن تعمل على تفسير الاعمال تفسيرا نفسيا ومنها مفهوم السيكودراما ، وقد اسس لهذا النوع من العلاج الشهير جاكوب مورينو سنة 1922 في فيينا ، والسيكودراما  تعني الدراما النفسية وهي تطلق على شكل من أشكال المعالجة النفسية من خلال التقنيات المسرحية وعلى استخدام المسرح كنوع من أنواع العلاج النفسي. ولقد اسهمت كل الجهود السابقة بتأسيس الرابطة الاوربية للعلاج بالفن عام 1969 وصدرت مجلة خاصة بهم  تحت عنوان المجلة الاوربية للعلاج بالفن.
 
 صراعات سيكولوجية
ولا يمكن تغافل دور علماء النفس الذين استخدموا الرسم كأداة تشخيصية في كثير من البحوث للمقارنة بين الرسوم لدى بعض الفئات الاكلينيكية والفئات السوية وبالتالي التوصل الى بعض الملامح والصفات التي تميز فئات المضطربين وامكانية علاجهم، اذ تعد رسوم المرضى مادة حيوية للعلاج وبالتالي شاع انذاك العلاج بالرسم في كثير من مستشفيات اوربا وحتى الان ، كونه يزيد من ادراك المريض لصراعاته السيكولوجية، ولعل اهم دراسة بهذا المجال للمؤلف جون.ن .باك في كتابه (دراسة الشخصية عن طريق الرسم) ، كما استخدمت القصص بخفض التوتر لدى الطلبة وبخاصة  لدى اطفال الأوتيزم، وعززت كثيراً من مهارات التواصل وقدرة التلاميذ الصغار على التحدث والتواصل الاجتماعي ، وبالتالي تكون الفنون والاداب قد ادت دوراً مهماً في تعزيز مجالات بناء الاطفال وصحتهم وهو الامر الذي يستدعي اهتماماً اكثر بها من قبل البلدان كافة.