العنف والعنف المضمر

آراء 2019/07/16
...

د. كريم شغيدل
منذ أيام ومواقع التواصل الاجتماعي العراقية منشغلة بقضية (14 تموز)، ففي كل عام تعاد الكرة بهذه المناسبة، وكالعادة ينقسم العراقيون بين ممجد للنظام الملكي وممجد لعملية إسقاطه، وتتناسل ثنائيات التناقض والانحياز بين الملكية والجمهورية، بين الملك والزعيم، ويشتد التعصب وتتصاعد أساليب التطرف، وقلما نجد بين المتبارين من يفكر بالأمر بموضوعية، قلما نجد من يأخذ بعين الاعتبار المزاج الجمعي آنذاك، وكأن الملكية كانت حلماً وردياً فانقض عليها العسكر، أو العكس، والواقع إن المزاج الجمعي العربي والوعي السياسي اللذين سادا آنذاك كفيلان بإيجاد شتى المبررات للتخلص من نظام ملكي وراثي كرس الطبقية ودعم الإقطاع وربط سياسات البلد بالتبعية المباشرة لبريطانيا، كانت هناك طبقة برجوازية مرتبطة بطبقة أرستقراطية مقابل آلاف المسحوقين ما لم نقل الملايين، ومأساة فلسطين في بدايتها، والمجتمعات تفتحت تدريجياً على حركات التحرر العالمي والفكر اليساري والاشتراكية وصارت لديها أحلام، والملك ليس سوى أداة بيد المندوب السامي البريطاني ومستشارته مسز بيل، وقد سبقت حركة تموز حركتا بكر صدقي ثم حركة العقداء، بمعنى آخر إن المزاج العام والأوضاع وطبيعة النظام الملكي كانت مهيأة للتغيير، وشكل إسقاط النظام الملكي في مصر حافزاً لعدة حركات ثورية في البلدان العربية ومنها العراق.
هذا يعني أن الحاجة لقلب نظام الحكم كانت أمراً طبيعياً، لكن من المؤكد أننا ضد المجزرة البشعة التي ارتكبت بحق العائلة الملكية في قصر الرحاب، مثلما نحن ضد ما ارتكبه النظام الملكي من مجازر بحق الآشوريين في (مذبحة سميل) وإعدام قادة الحزب الشيوعي والكثير من حوادث العنف في السجون والتظاهرات وعشرات الضحايا،ومنهم جعفر شقيق الشاعر الجواهري الذي نعاه بقصيدة مشهورة، مقابل ذلك كانت للحقبة الملكية إنجازاتها في التأسيس للدولة العراقية الحديثة، وإذ لا يختلف اثنان على نزاهة الزعيم ووطنيته فإنه كان ضحية الصراعات الحزبية والقيادات العسكرية على الرغم من محاولته التأسيس لحكومة تكنوقراط قدمت العديد من المنجزات والمشاريع والقوانين التي أنصفت الطبقات المهمشة والمسحوقة، لكنه ليس بالقائد المثالي المحنك، فقد غلبت الانفعالية على قراراته وسلوكه ما سهل على القيادات المتنفذة من القوميين والبعثيين عملية الإطاحة به، وكان ذلك أسوأ انقلاب على وجه الأرض لما ارتكب فيه من مجازر على أيدي ميليشيا الحرس القومي،وبصورة عامة لم تنجُ طائفة أو ملة أو حزب من تهمة العنف والعنف المضاد، 
البعض مقتنع أن الزعيم ريَّف مدينة بغداد بتوزيع الأراضي لسكان الصرايف، ونسوا أن الذين ريفوها فعلاً هم طبقة العسكر القادمين من مضارب الصحراء، فسكان الصرايف هم ضحايا الإقطاع المسنود من النظام الملكي، وأنهم مواطنون عراقيون أسهموا ببناء البلد وسرعان ما تمدنوا وتعلموا وأنجبوا أجيالاً من المثقفين والأدباء والفنانين والرياضيين وقادة المجتمع، وكأنهم يقولون كان على الزعيم إبادتهم لا توطينهم في وطنهم لمجرد أنهم فقراء من أهل الريف، فكم من العنف المضمر في نفوس البعض.