في ضوء سعي بلادها الى تخصيص شبكات داعمة لتشجيع تعيين النساء في مواقع قيادية، احصت الدكتورة مالا أباراجو عدد مقابلات العمل المئة التي ذهبت اليها قبل ان تُعين في النهاية مديرة لمدرسة في منطقة ريفية تسمى كوازولو ناتال جنوب افريقيا. واستغرقت اربعين مقابلة لتصبح رئيس قسم. وتستذكر في بعض الاحيان انه كان يتوجب عليها حضور مقابلة ولقاء لجنة من سبعة رجال. تقول مالا “لا داعي للقول بأنني لم احصل على تلك الوظائف”، وفي النهاية حصلت على الوظيفة عام 2002 تقريبا.
وفي الوقت نفسه تقريبا تمكنت أغنيس مازيبوكو التي تدرجت خلال المراتب التعليمية على مدى 24 عاما من الحصول على وظيفة مديرة مدرسة Ifalethu الابتدائية في محافظة مبومالانجا الريفية، وهي اول امرأة تشغل هذه الوظيفة في منطقتها وكانت أفضل مرشحة مؤهلة لها، لسجلها الحافل خلال عملها نائبة لمدير المدرسة، ولا تزال تصف حصولها على هذه الوظيفة بالمعجزة.
إن قصة كل من مالا وأغنيس نادرة جدا بالنسبة للجميع، فالطريق من معلمة الى مديرة مدرسة ليس سهلا امام نساء جنوب افريقيا. وتصنف جنوب افريقيا من بين اربع وخمسين دولة افريقية بالمرتبة الرابعة في مؤشر المساواة بين الجنسين التابع للأمم المتحدة، لكن ماذا عن التعليم؟.
مواجهة سلطة الرجال
وبحسب بيانات الرواتب الاخيرة لإدارة التعليم الاساسيDBE في جنوب افريقيا، فان 73بالمئة من معلميها نساء و37 بالمئة من 21.621 من مدراء الدولة نساء ايضا. هذه السياسات ليس في التعليم وحسب وإنما من بين 500 شركة ثرية في العالم هناك اربع وعشرون شركة منها فقط الرئيس التنفيذي فيها امرأة.
بينما في اميركا فان اكثر من ثلاثة ارباع المعلمين نساء لكن لا يزال الرجال يشغلون 46 بالمئة من المناصب الادارية للبلاد فالفجوة فيها 31 بالمئة.
وحسب ارقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فان في الوقت الذي اقرت به دراسة لليونسكو عام 2017 ان العديد من البلدان لا تجمع بياناتها على هذا الاساس، وجدت ان جنوب افريقيا صنفت بأقل مرتبة في موضوع ترأس النساء في التعليم ليس في افريقيا فقط وإنما في العالم، مبتعدة عن كوريا الجنوبية التي بلغت نسبة فجوة التمييز الجنسي فيها 55 بالمئة.
وتواجه النساء في جنوب افريقيا حواجز سلطة الرجال كما هو الحال في اغلب الدول. وبحسب دراسة اجرتها غابرييل ويلز لجامعة ستيلينبوش عام 2016، فان ما ساهم في جعل الفجوة الجنسية بقيادة التعليم للبلاد اسوأ من غيرها هو ارث العقود من قوانين العصر الذكوري الذي فرض اجورا للنساء اقل من الرجال. ما حث المدارس خصوصا الابتدائية منها الى توظيف النساء بصفة معلمة من دون الحاجة الى منحهم سلطة المناصب القيادية، وهذا يسهم في زيادة نسبة التربويين من النساء عن اي بلد افريقي اخر.
وكانت النساء ذوات البشرة السوداء خصوصا تُحث على العمل معلمات او ممرضات في مدارس وعيادات بانتوستان تحت سلطة الرجال.
إمكانية المرأة القيادية
وأصبحت قوانين التمييز العلنية لسلطة الرجال الان من الماضي. لكن الطريقة التي يتم تعيين المدراء من خلالها لا تزال تُحدد على اساس قواعد التمييز الجنسي الموجودة والمستقلة عن النظام العنصري، فترسل الهيئة الادارية المكونة من الآباء قائمة بالمرشحين الى الادارة التعليمية. ويتحدث ديفيد دي كورتي بصفته الشخصية وليس لكونه رئيس رابطة مدراء جنوب افريقيا عن ان اغلب الهيئات الادارية لها “اهداف جيدة لكن المُثل قديمة” وعندما يكون الامر معني بتعيين المدراء فهم يميلون الى القبضة الحديدية الصارمة.
ليس مفاجئا ان مستوى التغيير في جنوب افريقيا بطيء للغاية، فنسبة المديرات 34 بالمئة منذ خمسة عشر عاما. واجهت كل من أغنيس ومالا صراعا شاقا لإقناع الطلاب والعاملين معهما والمجتمع بان المرأة يمكنها تسلم منصب قيادي، وأكدتا ان تقديم النساء لطلبات الحصول على الوظيفة يمكن ان يكون صعبا.
وتقول رئيس قسم دراسات سياسة التعليم في جامعة ستيلينبوش البرفسور نوران ديفيد امتلاكنا لكادر نسوي لكن اغلب قادته رجال “يرسل رسائل خاطئة” للأطفال. ولم تتمكن نوران من فهم سبب ادارة مدارس البنات المرموقة من قبل رجال “من الشائع ان يكون الرجال مسؤولون عن مدارس البنات ولم اسمع ابدا عن ادارة المرأة لمدرسة أولاد”.
برنامج الشبكات الداعمة
ففي دولة نسبة الاطفال الذين تعرضوا للاعتداء الجنسي فيها هي 35.8 بالمئة، وتنتشر فيها قصص اغتصاب المعلمين والمدراء لطلابهم، اجمع جميع الخبراء في هذا الموضوع ان تعيين المديرات ستكون خطوة ايجابية. وأكدت اغنيس انها لم تصادف اية حالة اعتداء جنسي في مدرستها، ليس بسبب ثقافة التهذيب فقط وإنما قيامها بالتعامل مع الكادر والطلاب يوميا بدلا من جلوسها في مكتبها.
وفي عام 2013، قدم DBE في محاولة لإصلاح الموازنة برنامج شبكات داعمة للمديرات. تقول كبيرة اختصاصيي التعليم سيليلو ماكاتو ان ست من اصل تسع محافظات في جنوب افريقيا اطلقت برامجها الداعمة الخاصة
بها.
وشاركت مالا واغنيس بشكل كبير في هذه الشبكات، وتقولان ان هذه المبادرة طورتهما شخصيا وحسّنت امورا جذرية في مناطقهما. فعندما عُينت أغنيس كانت الوحيدة من بين 24 مديرا في منطقتها اما الان فقد اصبحن اربع مديرات. اما منطقة المديرة مالا فقد كانت افضل ،فمن بين 500 مدرسة قفز عدد المديرات عند بدأ البرنامج من 170 الى 210.
وعلى ما يبدو ان هذه الشبكات تصنع المعجزات في بعض المناطق، لكن لا يوجد تشريع يجبر المحافظات على تنفيذها. وتأمل كل من نوران وأغنيس بان تقدم الحكومة بعض الاهداف القابلة للقياس والتنفيذ لزيادة عدد المديرات.
اما مالا فليست على استعداد للانتظار، وتقول “ في منطقة اوغو نأمل بان نحقق نسبة 65 الى 70 بحلول عام 2025”.
عن مجلة اوزي الاميركية