قبل أن {تطنكر} اليونسكو

آراء 2019/07/19
...

حمزة مصطفى
انتهت أيام العتابة منذ أيام جبار عكار وربابته الخالدة، وبعدها بحقبة زمنية انتهت أيام المزبن بتوقيع مظفر النواب لكن لا توجد حتى الآن معلومات موثقة  عن انتهاء “أيام اللف”. الآن أيام “الأركيلة” التي كانت تسمى أيام جدي وجد مدحت باشا “الغرشة”. والآن أيام المعسل بأنواعه التي لاحصر لها ولا عد، وطبعاً أيام البوبجي التي لا أعرف منها حتى معنى مفردة “مكنبر”. هذه الأيام أيام الفايبر والواتساب والانستغرام والسناب شات ومعهم تويتر ومحتكره الأول دونالد ترامب والفيس بوك الذي عطل كل أنواع المؤامرات، بدءاً من الماسونية 
وانتهاء بالمندسين.  
كان الليل في الماضي مرتبطاً بالعتابة التي تحتاج الى ليل طويل في العادة. اليوم  الليل بات يرتبط بالكروبات. كل شيء بات يطبخ بالليل انتظاراً لطلوع الشمس لا لكي يمحوه أول فنجان قهوة بل لكي يتحول الى قرارات وعهود ووعود وصفقات ومساومات وهات وخذ وخذ وهات. وصوت لي وصوت لك، و”خرخشلي
 وخرخشلك”.
ولأن كل أنواع الأيام انتهت من العتابة الى المزبن الى اللف وصولاً الى “ يالجفن السلمان أحو جفنه ببهاري”بتوقيع سعدي الحديثي لم يعد أمامنا مما ساقته المقادير لنا سوى حديث الموالاة 
والمعارضة.
 تلك العبارة التي أخذناها من لبنان التي لم نأخذ منها الا أسوأ مالديهم وهي المحاصصة بكل أنواعها المقيتة وغير المقيتة. المفارقة إننا  مازلنا نخشى “لبننة العراق” في وقت بدأ اللبنانيون يخشون “عرقنة لبنان”. ليس هذا فقط فإننا أثرنا في المحتل الأميركي الذي جاءنا محرراً أول ست ساعات فقط ولم نتأثر به. هذا ليس استنتاجي بل هو من بنات أفكار المفكر الأميركي الشهير فرنسيس فوكايا صاحب الكتاب الأشهر في تسعينيات القرن الماضي “نهاية التاريخ” الذي أعلن فيه انتصار الرأسمالية على الاشتراكية قبل أن تعود الاشتراكية عبر “هواوي” الصينية بعد اقل من عقدين من الزمن لتضع. فوكايا وفي مجلس خاص في بغداد قال “حين جئنا  الى العراق كنا نتمنى أن نحول العراق مثل الولايات المتحدة الأميركية لكن الذي حصل يبدو أن أميركا في طريقها الى أن تتحول 
مثل العراق”.
لماذا كل هذه “الجنجلوتية”؟ لأن الحديث الآن عن المعارضة والموالاة بعد إعلان الحكمة التحول  الى المعارضة. أليس من حق أحد أن يتحول الى المعارضة؟ من الواضح ان البيئة العراقية ومثلما تقول السردية العراقية ليست مهيأة للمعارضة حتى الآن. السردية تقول لا يغركم التقدم الحاصل عبر تويتر والفيس بوك والواتساب واليوتيوب والصفحات الوهمية التي صدر قرار بحقها يكسر الظهر لكن تنفيذه يتوقف على موافقة “دبش” بل كل شيء لايزال عند أيام العتابة والمزبن واللف وجلد سلمان. وطبقاً لهذه السردية (عجبتني هذه المفردة) فإنه ليس من حق أحد أن يعلن نفسه معارضة. لسنا بحاجة الى مشاكل وأزمات. لدينا أولويات ضاغطة جداً في المقدمة منها كيفية إقناع السماء باستمرار الأمطار للعام  المقبل لكي تبقى الأهوار مزهوة بالماء قبل أن “تطنكر” اليونسكو. وكيفية حل النزاع بين الحكومة المحلية في بابل ووزارة الثقافة عن عائدية بابل قبل أن “تطنكر” اليونسكو.
 وماهي الخطط التي لابد أن نعملها لكي ندرج مئذنة هيت على لائحة التراث العالمي. وإن شاء الله نستمر حتى نضع ربابة جبار عكار على نفس اللائحة .. “طنكرت اليونسكو 
أم لم تطنكر”.