عبدالله الجيزاني
منذ انبثاق الدولة العراقية عام 1920؛ تعاني العلاقة بين العراق ومحيطه العربي من التذبذب، حتى وصلت لشبه قطيعة بعد غزو العراق للكويت، بعد فترة ازدهار خلال الحرب العراقية- الايرانية.
هذا التذبذب يعود بجذوره, وبصورة لا مخادعة فيها, لاختلاف الانتماء المذهبي رغم وحدة الانتماء القومي.. اضافة للتحسس الحضاري والجغرافي من العراق، ثم تمركز هذا الخلاف ليصل لدرجة القطيعة بعد عام 2003؛ حينما اصبح الحكم في العراق ديمقراطيا تعدديا؛ لم تمنع كل مكوناته من المشاركة والاشتراك في السلطة، مما دفع الاغلبية الشيعية الى الواجهة. هذه الفرصة لم يتمكن المحيط العربي من قراءتها كما ينبغي، ليتمكن من الاستفادة من الورقة العراقية في مواجهة الدولة الأكبر والاقوى في المنطقة الجمهورية الاسلامية في ايران، التي انهارت العلاقات بينها وبين جوارها العربي مع نجاح نجاح الثورة الاسلامية عام 1979.
استثمار هذه الورقة كان سيوفر للعرب الضد النوعي لايران، واستمالة السلطة في العراق باتجاه الانتماء القومي كان ممكنا في ظل الوجود الامريكي، الذي يدير الملف الامني والسياسي العراقي عمليا، فالاغلبية الشيعية في العراق تتبع مرجعية النجف الاشرف, المعروفة ببعدها عن تبني نظرية ولاية الفقيه.. بالتالي فاستقطاب الاغلبية من قبل محيطه العربي, كان سيضع ايران امام ضدها النوعي لا بمواجهة العرب، لكن كعادتهم فشل العرب في هذا الامر.هذا النكوص العربي أتاح للاعب الايراني الانفراد بالساحة التي ما كان للامريكي ان يشغلها لاسباب كثيرة, ابرزها الرفض النفسي من الشارع العراقي للامريكي الذي يراه العراقيون بصفته محتلا لا غير. العرب بدورهم اختاروا الجبهة الامريكية للاصطفاف, معها في تحقيق مشروع غريب عن ذائقة اغلبية الشعب العراقي وقيادته المرجعية، لترسم صورة العربي في العراق بأنه جزء من الاحتلال وأحد اهم ادوات تنفيذ مشروعه. ايران على العكس تماما استثمرت الاجواء المعادية للاحتلال وتمكنت من تقوية النزعة العقائدية على حساب النزعة القومية التي اصبحت مفردة مقززة في نظر الشارع العراقي. لتأتي النتائج كما يشكو منها العرب وهو حصاد ما زرعوا.. واصبح الاقتراب من المحيط العربي في نظر كثيرين من العراقيين, بمثابة الخيانة والتأمر ضد الوطن والدين! ان العلاقة بين العراق ومحيطه العربي وفق المواقف والمعطيات الحالية لا يمكنها النمو والازدهار مهما أدعت اطرافها، اضافة للاسباب التي ذكرت والسطوة الايرانية الجديدة والواضحة في الساحة العراقية التي تجاوزت الاغلبية السكانية, لتصل لاطراف كردية والى النخبة بل والساحة السنية برمتها.. هذه الساحة التي عول عليها العرب كثيرا, في افشال التجربة الديمقراطية المحرجة لهم داخليا وخارجيا، اضافة الى اصوات التطبيع التي تتردد في أكثر من دولة من دول العرب المحيطة بالعراق.العرب وخصوصا الدول التي تحيط في العراق لم تتمكن على مر تاريخها من استخدام ما تمتلك من اوراق مهمة قد تمنحها تأثيرا مهما على محيطها، كقوة الاقتصاد والموقع الجغرافي المتميز والاستثمارات الفاعلة في دول العالم.. وهي أدوات لو استثمرت باضافتها للانتماء القومي لتمكنت هذه الدول من حكم العرب بأجمعهم.. لكن العناد الغبي, وعدم مسايرة الواقع الجديد, كان غلطة العرب الكبرى. الواقع يقول ان هذه الدول بدأت تفقد علاقاتها مع الدول العربية الواحدة تلو الاخرى، وضعف تأثيرها دوليا بشكل واضح ولم يتبق الى جانبها الا امريكا ممثلة بشخص الرئيس وفريقه؛ واسرائيل التي تسعى الى الاجهاز على هذه الدول من خلال ما يسمى بصفقة القرن التي تمول وتنفذ بايدي هذه الدول.
العلاقة بين العراق ومحيطه العربي؛ “رغم ان حاجتهم للعراق اكبر من حاجته اليهم” لا يمكنها ان تنهض او تطبع مهما توالت التصريحات والادعاءات, فالزمان والمكان اجتازها منذ زمن بعيد.. إلا إذا حصلت تغييرات جذرية وعميقة.. في عقليات من يقود تلك الدول.