المنتوج الوطني سلاح اقتصادي

آراء 2019/07/22
...

واثق الجابري
تعود بنا الذاكرة سنوات كثيرة الى الوراء، عندما كنا نأكل بطيخاً يباع في أسواق بغداد من مزارع سامراء، ولا يمكن نسيان الشكل والطعم وخصوبة الأرض، وكم يسرنا توفر الرقي بشكل كبير من مزارع صلاح الدين ونينوى. 
تلك المناطق التي كان يغتصبها الإرهاب، وتموت فيها الزراعة من شح المياه، ونعود لنشتري البضاعة العراقية حينما لا نجد من ينافسها في السوق والذوق العراقي.
كم هو جميل أن تشعر أنك بدأت تسترجع ذكريات فارقتها، وتشعر أنها تعود بشكل تدريجي، وفي كل بلد لا يشعر مواطنه أن هناك أفضل من طعام بلده مهما تجول في بقاع العالم، فيشعر أن لها أرثا وذكريات وتاريخا وطبيعة بشرية ترتبط بالأذواق والطقوس والعادات والتقاليد.
 المنتوج المحلي عامل أساسي في نهضة الشعوب.. هذا ما يدفعها للحفاظ عليه وضمن مناسبة تقاليدها، ومنذ أكثر من عقدين من الزمن، لم يعد العراق ينتج أو يزرع، واعتمد على الاستيراد في فقدان للتقاليد المجتمعية، كما الأكلات السريعة والملابس، والمأكولات كالخضراوات والفواكه واللحوم بطعم غير ما يعرفه العراقي، ومختلفة عن مائدة تعبر عن تاريخ بلد.
 ما عادت الأسماك هي نفسها التي تؤكل في الثمانينيات، ولا طعم الخضراوات والفواكه كما هو، وحتى ما يزرع هنا فبذوره مستوردة، فما عاد البصل والرشاد حاراً كما هو أيام زمان، ولكن الأمل قد يعود تدريجياً حينما تجد في الأسواق خضراوات وفواكه عراقية، وتشعر أن الفلاح بدأ يزرع والبقال يبيع والمواطن يتذوق، ونأكل كي نستعيد جزءا من تقاليدنا ونشجع منتوجا وطنيا.
 تشهد بغداد والمدن الأخرى انتشار مطاعم الأكلات السريعة، والبيتزا والكنتاكي تغزو الأسواق والمحال التجارية، وما عاد الأبناء يأكلون ما يأكل الآباء، وبعض العوائل اعتمد بشكل كامل على الطعام الجاهز. 
من منا يمكن ان يتجاهل النهضة اليابانية والمعجزة الاقتصادية التي أذهلت العالم، ونهض ذلك البلد من ركام القنابل النووية والحروب والاحتلال، وصار ثاني أقوى بلد اقتصادياً، وشارك جواره بمشروعه الاقتصادي لتسمى في وقتها “النمور الآسيوية”  من خلال ترسيخ قيم المجتمع وعاداته وتقاليده الإيجابية، والاعتماد على المنتوج المحلي بما في ذلك مائدة الطعام.
 زرع العراق هذا العام ما يزيد على 12 مليون دونم من الحنطة، نتيجة الإدارة الرشيدة لسيول المياه ووفرة الأمطار، كانت تذهب في السنوات السابقة للبحر، وتسلم ما يزيد على 4 ملايين طن من الحنطة كرقم قياسي، نتيجة تسديد الفلاحين مباشرةً، ويستعد الآن لزراعة 650 ألف دونم من الشلب، وفي الأسواق يتوفر العنب والرقي والبطيخ والطماطة ومختلف الفواكه والخضراوات، وكذلك الأسماك واللحوم والبيض العراقي، وبدأت وزارة الزراعة بمنع استيراد 13 مادة للإكتفاء الاتي، وانخفضت الأسعار عكس ما كان يروج، من ردة فعل لمنع الاستيراد بالاحتكار من المستوردين أو الفلاحين، فزاد العرض وانخفض السعر.
 بعد أي حرب وأزمة ما ، تتولد ثقافة دخيلة، لكن الحركة الفاعلة الإيجابية للمجتمعات، تساعد على تطورها السلمي، وتحل مشكلات البطالة والفقر والجوع والأمية، وتدخلها عصر الازدهار تدريجياً، ولا تتوقف عند حدودها بل تمتد إقليمياً عل أساس المصالح المشتركة، ويقل من احتكار القطاع الخاص على العام، وتتضاءل السياسية الريعية الى سوق الإنتاج والربح، وتبرز مهارة استخدام السلاح الاقتصادي وتتحسن العلاقات مع الدول،  وتتجنب الدول والشعب الاقتباس التام والسهل، الذي ينتهي بالمجتمع للتغريب والاستلاب.
 تشجيع المنتوج الوطني يحتاج الى السير بمضمارين لهدف واحد، أحدهما الانفتاح على الثقافات الغربية والصديقة من علومها وتكنلوجياتها وتجاربها، وفي عين الوقت التمسك الإيجابي بالتقاليد العريقة والموروث الإيجابي، وتشجيع المجتمع للعودة الى استثمار طاقاته التي  تثمر عن منتوج وطني في مختلف المجالات.