لماذا يكرهون تموز الذي نحب ؟!

آراء 2019/07/24
...


حارث رسمي الهيتي
 
بعد أن هربوا من ظلم الاقطاع ووحشيته، استقر كثير من الفلاحين الهاربين من سوط الجلاديين والسراكيل، واتاوات الاقطاعي وحاشيته، وحرق صرائفهم والاستيلاء على محاصيلهم التي تعبوا موسماً كاملاً وهم ينتظرونه، هربوا من هناك، الى بغداد،

  حيث اصبحت ضواحيها ملاذاً آمناً لهؤلاء وعاشوا حياةً كارثية، حياة يملؤها الفقر والعوز والامراض، والامية والظلم والاهمال، مدينة الصرايف كما كانت تسمى ايام الحكم الملكي، حين قامت ثورة تموز وبعمل كبير وبمبادرة من السيدة نزيهة الدليمي آنذاك تم انشاء مدينة ببيوت محترمة، بيوت توحي للناظر اليها ان ساكنيها آدميين، فبنيت مدينة الثورة، ولعل هذه الخطوة هي التي تدفع كثيراً من الطائفيين الى حد اليوم بالقاء التهم واللعنة على الزعيم عبد الكريم قاسم باعتباره “ زرع الريف “ وسط العاصمة أو انه قد ملأ بغداد بالــ “ الشروكية “، نظرة طبقية بامتياز، وكأن العاصمة حكراً على الباشوات والأغوات ولا يحق للفلاحين القدوم اليها، فهم مواطنون درجة ثانية من وجهة نظر هؤلاء !!
من يتباكى على نظام ما قبل 1958 يتانسى متعمداً كل ما قدمته هذه الثورة منذ يومها الاول ولغاية اليوم المشؤوم، يوم ما انقضوا على جمهوريتنا الفتية، يتناسى كل اولئلك المطبلين للملك ونوري “ باشا “ السعيد كل تلك الذيلية والتبعية التي عاشها العراق ايام ما كان هؤلاء يتربعون على عرش منحته لهم بريطانيا من دون حق، يتناسون ان وزيراً كان قد قال ايام ما انتفض العراقيون ضد الانكليز انه سيقدم حتى سطح منزله ليكون مدرجاً لطائرات صاحبة الجلالة!!
ثورة تموز التي لم يمر عليها أقل من ثلاثة اشهر حتى اصدرت قانون الاصلاح الزراعي رقم 30 في 30 / 9 / 1958 لتفتيت الملكية الزراعية والقضاء على العلاقات شبه الاقطاعية التي استحوذت على معظم الاراضي الزراعية الخصبة في العراق فقد كان ( 3619 ) ملاّكاً يملكون 18 مليون دونم من الاراضي الصالحة للزراعة، وبموجب هذا القانون تم تحديد الملكية الزراعية والاستيلاء على أراضي الكبار من الملاكين بعد ان يترك لكل ملاك ( 1000 ) دونم من اراضي السقي و ( 2000 ) دونم من اراضي الديم . كما الغى القانون في المادة ( 49 ) العلاقات الاقطاعية السابقة كقانون حقوق وواجبات الزراع ومرسوم قسمة الحاصلات الزراعية من يصب جام غضبه على النظام الجمهوري وثورة تموز بحجة انها جلبت الانقلابات والويلات على العراق يغض البصر ولا يريد ان يذكر حقيقة ان من جلب تلك الويلات هم اولئك الذين انقلبوا على قاسم في يوم اسود كوجوههم التي زرعت في وجوه بعض العراقيين “ شوارب “ 8 شباط كما يطلق عليها وحولت هؤلاء الى وحوش بشرية، وجيوش الحرس القومي التي مارست سحلاً وتقتيلاً بنا منذ يومها اليوم ولم تنته بحشود الجيش الشعبي وعسكرة مفاصل حياتنا اليومية بمختلف مجالاتها الى يومهم الأخير في 2003 .
يريد هؤلاء ان يتفلسفوا كثيراً، فهم يعتقدون ان التاريخ  سيتغيّر اذ ما قالوا انها انقلاباً وليست ثورة، وكأننا نريد ان نختلف حول تسمية المصطلح سياسياً واجتماعياً، ولا ادري لماذا يصر هؤلاء على تجاوز حقيقة ان أي انقلاباً يجر بعده تغييراً جذرياً في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي هو ثورة بالتأكيد، فقانون الاصلاح الزراعي الذي ذكرناه وقانون الاحوال الشخصية وقانون لمن اين لك؟ هذا لم يسمعوا بها على اتصور !! 
الخروج من حلف بغداد الذي جعل من العراق جندياً يقف بكامل قيافته ومعداته وافراده مثل تابعٍ امام بريطانيا، بطرقه ومطاراته وقواعده العسكرية، الخروج من منطقة الجنيه الاسترليني التي ربطت الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الانكليزي جاعلةً منه خاضعاً لكل التغييرات التي تطرأ على اقتصاد “ صاحبة الجلالة “ وبشكل سلبي بالتأكيد، وغيرها الكثير والكثير من التشريعات والقوانين والمنجزات، نعم لاسم اخطائه التي اتفق مع الكثير من الذين أشروا عليها باعتبارها اخطاءً كا من الممكن تلافيها، ولكن الرابع عشر من تموز 1958 ثورةً احدثت تغييراً اجتماعياً وحاولت ان تضع العراق على سكة الدول المتقدمة والطامحة بالتطور بالتغيير لولا اولئك القتلة واصحاب المصالح ممن وقف معهم لضرب الثورة الفتية !!