كم من المواهب الادبية والعلمية تم اكتشافها من المدارس، وتمت تنميتها وتغذيتها ورعايتها من ذلك الحرم التربوي المقدّس؟ وكم استمرت علاقة المبدعين بمدرّس اللغة العربية الذي هو غالبا اول المكتشفين للمواهب الادبية؟ وكم اكتشف مدرس الرياضيات الطاقات العلمية المتميزة والتي اصبحت ذات شأن لاحقا بفضل الاهتمام المدرسي والاسري بها .
تنشيط المواهب والمشهد الثقافي والفكري في المدارس العراقية بكافة مراحلها، حالة ليست بالاعتباطية او غير المهمة، فهي تمثل الواقع الحضاري للاجيال في تعاملهم لاحقا مع مفردات الحياة وامكنة العمل والمجتمع والسلوك العام، ولا يمكن الاكتفاء بمفردات المقرر السنوي ليكون هو الرافد الوحيد لاغناء العقل واعطاء المعلومة، بسبب طريقتنا “الملائية” في الحفظ والتكرار التي تجعل اغلب الطلبة ينسون ما تعلموه في السنة الماضية ولا يبقى منه غير اناشيد احبوها وآيات قرآنية يعاد سماعها مرئيا ومسموعا ومكتوبا في الاعلام، وحين نعمل على تنشيط الثقافة المدرسية فإننا سننشئ جيلا متميزا في الخطابة والتأليف وتعلم فن الحوار والاصغاء والمناقشة والرأي والرأي الاخر وابراز المواهب المميزة في مجال العلوم الانسانية والعلمية والفنية والمهارات المهنية الاخرى التي ستبرز في مشغل قاعات الفنية والرسم والاعمال المهنية الاخرى.. وهو ما تعلّمناه في مدارسنا سابقا فاصبحنا نجيد الخياطة كنساء ويجيدون العمل بحفر الخشب والنحت وقص الورق كرجال، وهو ما اختفى تباعا من حصص اغلب المدارس بسبب نظام الدوام المزدوج الذي يجعل اليوم المدرسي لا يزيد عن ثلاث ساعات بأفضل الاحوال.
الثقافة المدرسية تعني ايجاد المكتبة المدرسية وتحديد درس المطالعة والحث على كتابة القصة والشعر والمقالة التي تنمو من خلال درس الانشاء ومن المسابقات المدرسية التي لا بدَّ ان تشرف عليها مديريات التربية في جانبي الكرخ والرصافة وان تخصص مواعيد ثابتة لانجازها وبتحفيز مباشر من ادارات المدارس وبجداول ثابتة تتعلق بالفصل الاول والثاني من العام الدراسي وباحتفال عام يشارك فيه اولياء امور الطلاب والمجالس المحلية في المناطق لتعزيز معنى العلاقة الثنائية ما بين كل الاطراف التي لها علاقة بالتنشئة الحقيقية للاجيال.
اليوم وبفضل مغريات التكنولوجيا الحديثة والفضائيات ذات المسابقات الغنائية وثقافة التسلية التي تضخ بكثافة مرعبة للعقول الشابة، فإنّ انشغالات الاهتمام بالثقافة والمطالعة واقتناء الكتب وزيارة المعارض الفنية والنحتية والتشكيلية باتت امرا لا يشغل لا بال الاسرة ولا الشباب وهو ما يؤثر سلبا في ترصين الذائقة التعبيرية والمعلوماتية والفكرية والثقافية ويشذب الكثير من الظواهر السلبية التي نراها بوضوح في الكثير من تجمعات الشباب في الاماكن العامة وهم يحملون الدف والطبلة ويهزجون بكلمات رخيصة ويتمايلون بطرق صبيانية عجيبة تسيئ لتلك المرافق بما تضمه من عوائل لجأت لتلك الاماكن بحثا عن التسلية والترفيه.