طائرة مسيرة مجهولة المصدر تقصف معسكراً تابعاً للحشد الشعبي وتحديداً الحشد التركماني في قضاء آمرلي، خبر ليس بالجديد ولا الغريب، فقد بدأت حرب الطائرات المسيرة في العراق منذ أن سيطرت عصابات داعش الإرهابية على عدد من المدن والأراضي العراقية، وتحديداً منذ العام 2016 برز هذا السلاح واستخدمته تلك العصابات لعمليات الاستطلاع والمراقبة والقصف أيضاً، وبالنظر إلى كم المصائب الإرهابية التي انهالت علينا منذ سقوط النظام المقبور ولغاية الآن يعد هذا الخبر هيناً بعدما أكدت خلية الإعلام الأمني أن القصف كان بقنبلة يدوية ألقتها الطائرة وأسفر عن إصابة اثنين من عناصر الحشد بجروح طفيفة من دون سقوط شهداء.
لكن حين يتحول خبر كهذا إلى مادة لوسائل الإعلام الغربية والعربية وتحاك حوله القصص والأقوال والاستنتاجات والتضخيم والتهويل، وتزج فيه جنسيات ودماء غير عراقية، يصبح الأمر لافتاً للانتباه، فبعد ساعات من القصف قدمت بعض وسائل الإعلام العربية والغربية أخباراً صحفية وتلفزيونية في غاية الغرابة، بعضها كانت أخباراً ركيكة وغير مقنعة، منها على سبيل المثال ما قالته قناة “العربية” عن تعرض المعسكر لقصف بـ”طائرتين مسيرتين، ما أدى إلى سقوط قتلى من حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني، وإن المعسكر يضم صواريخ باليستية إيرانية”، وهو ما انفردت به من دون غيرها.
صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، هي الأخرى لم تختلف كثيراً عما تناولته “العربية” لكنها أضافت أسماء قيادات في الحرس الثوري الإيراني، وأشارت إلى أن أجواء المنطقة التي يقع فيها المعسكر المقصوف تخضع لمراقبة الطيران الأميركي، وذكرت أن القصف لم يكن بنقبلة يدوية بل “قنابل” ألقتها الطائرة، كما أنها طرحت إمكانية قصف المعسكر من قبل سلاح الجو الإسرائيلي!.
صحيفة “إفيابرو” الروسية، هي الأخرى افترضت أن القصف قامت به طائرة إسرائيلية لكنها ذهبت بعيداً جداً إلى حد غير منطقي، حيث افترضت أن إسرائيل أرسلت طائرة (F35)، الطائرة الأغلى في العالم والتي لا تكشفها الرادارات في الشرق الاوسط والتي تعد سراً من أسرار الصناعة الحربية الأميركية، هذه الطائرة الستراتيجية تقلع من إسرائيل لتقصف معسكراً للحشد الشعبي في العراق بقنبلة لا تؤدي سوى إلى إصابة عنصرين أو قتل وإصابة عدد من عناصر الحشد والحرس الثوري وحزب الله من دون أن تدمر مخزن الصواريخ الباليستية الإيرانية أو تحقق هدفاً يتناسب مع أهمية هذه الطائرة، ألا يبدو الأمر مضحكاً واستغفالاً للقارئ؟!
الأمر الأكثر غرابة في هذا القصف اللغز، هو أن عصابات داعش الإرهابية لم تتبنى لغاية الآن هذه العملية، على الرغم من أنها في العادة تعلن مسؤوليته عن عمليات إرهابية في مناطق ليس لها أي نفوذ أو وجود فيها، فما الذي منع تلك العصابات من تبني عملية أسفرت عن قتل عناصر من الحشد الشعبي (الرافضي) والحرس الثوري (المجوسي) وحزب الله (الفارسي)؟!.
يبدو واضحاً أن هناك توجهاً وتوجيهاً بتصدير أميركا وإسرائيل إلى واجهة الحدث وجلعهما المتهم الأول أو الأرجح، في محاولة لا أرى أي تفسير لها سوى أنها محاولة لصرف النظر عن عدو لم تتم الإشارة إليه، هذا ما اعتقده.
هل أحاول هنا تبرئة إسرائيل أو أميركا أو السعودية أو أية دولة أخرى من قصف المعسكر، كلا أبداً، ففي الأوضاع التي مر ويمر بها العراق كل الفرضيات والسيناريوهات واردة، لكن لماذا نستبعد أن يكون هناك عدو موجود على أرضنا وفيما هدفه هو أما تصفية حسابات مع الفصائل المسلحة بمختلف مسمياتها لأسباب طائفية أو عنصرية أو سياسية، أو يريد أن يظهر للعالم أن الوضع الأمني ما زال هشاً والقوات الأمنية وبضمنها الحشد الشعبي والفصائل المسلحة غير قادرة على حماية مقراتها ومنتسبيها، أو أنه ينفذ أجندة خارجية لخلق بلبلة وحالة من الفوضى والتخبط لكونه يعرف أن أصابع الاتهام في مثل هكذا حالات ستتوجه فوراً إلى الخارج ويكون هو بمنأى عن أي اتهام، وهو بالتالي سيحقق ثلاثة أهداف: أولها ضرب الأمن الداخلي، وثانيها النجاة من فعلته، وثالثها تمرير أجندته الخارجية أو الداخلية.
وعلينا أن نتذكر أن آمرلي هي محل نزاع قومي طائفي، حين كانت ناحية حتى العام 2017 ناحية تابعة لقضاء طوزخورماتو المتنازع عليه بين بغداد وأربيل والعرب والأكراد والتركمان، وأيضاً محل نزاع بين محافظتيّ كركوك وصلاح الدين، وحتى بعد تحولها إلى قضاء مستقل عن طوزخورماتو ما زالت محل نزاع.
حقيقة أنا لا أفهم ماذا تريد هذه الدول والأطراف الخارجية والداخلية من العراق، هل تريده كتلة مشتعلة بالاضطرابات لتمرير أجنداتها التي لابد أن تنتهي بإيقاظ العراقيين من غفوتهم لأنهم هم الضحايا، أم أنها تريد العراق ساحة للتهدئة؟، في كلا الحالتين لا يبدو أنها تعمل لتحقيق سوى هدف الخراب، وهنا يبرز التساؤل الأصعب، لماذا ينساق البعض لتحويل بلده وأهله إلى مسلخة يستعرض فيها كل الجزارين سكاكينهم في أجساد أهله من دون أن يحقق شيئاً سوى الدماء؟!.