قبل أيام مرت ذكرى رحيل المفكر والداعية الإسلامي الكبير .. والصوت الحسيني الأقوى الشيخ الدكتور احمد الوائلي رحمه الله .. وقد لفتت انتباهي بهذه الذكرى محطتان له ، علما ان اغلب تاريخه محطات تستحق الاستذكار والافادة ، لاسيما في زمن حول البعض الشعارات فيه الى مجرد تحصيل يومي وكسب حياتي .. المحطة الأولى تذكرتها أيام التسعينيات وفي اوج الحصار والدكتاتورية والقهر والجوع والكبت وشحة المعلومات.
اذ كان اغلب العراقيين تواقين الى الفكر الحر بعيدا عن التحسس الطائفي .. وقد كنا نستمع الى إذاعة طهران العربية التي كانت تبث محاضراته الساعة الواحدة ظهرا كل يوم تقريبا ، برغم ان الاستماع الى الوائلي وطهران تحديدا ممنوع رسميا وقد يستوجب الإعدام .. لكننا كنا نسمع ونجتمع شيعة وسنة للمحاضرة بصوت نهم اذ يستفيد وينهل كل من أراد ان يتشبع بالثقافة الإسلامية ..
بعد سنوات من التغيير والتحول الديمقراطي .. ساقنا القدر بمعية صاحبي المسن رحمه الله ، للسير في مكان ما ، كان رمزا للدكتاتورية آنذاك وكان بعضهم يضع صورة ( القائد الضرورة ) لتخويف الناس او لتحاشي شكوك السلطة ، فيما اخر يرتدي زي السفاري الزيتوني كلباس او هوية قريبة كمصدر للقوة ، يحتمون به بل ويخيفون الآخرين .. مع اننا نعرف بعضهم ممن لا يجيد القراءة والكتابة لكنهم حريصون جدا على لبس الزيتوني ووضع اربعة أقلام على الكتف باشارة وانتماء واضح .. واذا ما حدثت لهم أي اشكال وتقاطع مصلحي مع أي مواطن فهم يتحدثون بلغة ( الرفيق والزيتوني وأبو فلان وأبو علان ... ومثلها ما يستساغ بالقاموس السلطوي انذاك ) . الحرباويون كما عرفهم الناس لا يجيدون من الدنيا الا قاموسية السلطة والضغط على الأهالي .. وقد شكرنا الله حينما تذكرنا تلك الأيام الخوالي التي انتهت .. مع ان اغلب الحرباويين لم يتركوا لعبتهم القذرة التي لا يجيدون غيرها ... فقد تلونوا وتقلبوا بالوان وازياء وقاموسية مفردات تتناسب مع العهد الحالي بل وكل عهد جديد .. يستغلون المفردات الجديدة بما يتلاءم مع مصالحهم الحياتية والكسب غير المشروع على حساب الامة .. التي لا يعرفون من تاريخها الا النفاق الذي تربوا عليه وتوارثوه أبا عن جد .. من فجر السلالات حتى اعتاب القيامة .. حيث سيكون حساب الله شديداً ..
في عودة لسفر الشيخ الوائلي الذي ما احوجنا اليه بالبعد الوطني اليوم .. بل كل يوم .. فيما كنت ابحث عن تعريف للسفلة وجدت مختصرا بصوت وصورة الشيخ الوائلي يشرح عنهم ويحصرهم في زاوية من ياكلون الدنيا في الدين .. واخذ الدكتور يسهب في الشرح اذ قال رحمه الله : ( ان الدين هو اسمى ما يملك الانسان ، بمعنى تلك القيم الأخلاقية التي تدعو للخير والصلاح والنفع العام ، فيما البعض يستغل هذه القيم والتعاليم السماوية ويحولها الى مصالحه الخاصة حتى يجعل من الدين كانه دكان ياكل فيه كل ما يريد من دنياه بنهم وجشع وظلم وغباء وجفاء تام تترفع عنه حتى الحيوانات .. في تعاطيها مع بني جنسها.. بينما السفلة يرتعون بدماء ومصالح واعراض الناس لانهم لا يجيدون ولا يفهمون من الدين والدنيا الا نزواتهم الدنيئة ).. اما الوطن والمواطن والتاريخ والحضارة والمستقبل والمشاريع والاستقرار والاسلام والعولمة والتواصل والانفتاح والتعارف .. فلا يمتلكون ولا يريدون معرفة شيء منها ابدا .. لان عقولهم متجمدة عند حدود ... الفرج والبطن والنفاق... وقانا الله واياكم من شرهم).