“إن تأتي متأخرا ، خير من أن لا تأتي أبداً” ، هكذا يقول الانگليز ، ولعل هذا المثل ، ينطبق علينا في الكثير من المسارات، التي ظلت مقفرة لفترات زمنية حتى غدت غير صالحة للسير فيها بسبب تقادمها وعدم الاهتمام بها ، وواحد من اهم هذه المسارات هو الاستثمار في العراق ، فعلى الرغم من وجود قانون يعده المختصون من افضل القوانين في المنطقة (قانون رقم ١٣ لسنة ٢٠٠٦ وتعديلاته)، وعلى الرغم من وجود هيأة معنية بالاستثمار ووجود منهاج وبرنامج استثماري حكومي سنوي، الا ان حال الاستثمار في البلد لم يكن كما ينبغي ولم نشهد استثمارات حقيقية، يمكنها ان تحرك عجلة الاقتصاد والتنمية، وبالتالي تنعكس ايجابا على حياة الإنسان العراقي بنحو عام .
صحيح، ان هيأة الاستثمار سعت واجتهدت من اجل النهوض بالواقع الاستثماري، الا ان البيئة الاستثمارية لم تنمو بما يتلاءم وحاجة البلد الى استثمارات ضخمة في جميع القطاعات، وبالتالي، وإزاء هذا الواقع، كان الحال يتطلب من الحكومة، البحث عن حلول ومعالجات يمكن من خلالها تحريك الساكن واجتذاب المستثمرين والشركات وطنيا ودوليا للاستثمار في
العراق.
وبعد التأخر الطويل، الذي ربما يكون مبررا بشكل او بآخر، قررت الحكومة اتخاذ جملة من الإجراءات التي تعد مهمة ، بهدف تحسين بيئة الاستثمار البكر في العراق ، وقد اتخذ مجلس الوزراء قرارات مهمة جدا في هذا السياق ، كانت موضع ترحيب من قبل القطاع الخاص، الذي عادة ما نجده متوجساً او متخوفاً من أي اجراء تتخذه الحكومة لجهة الاستثمار، او ما يتعلق
بالشراكة .
لقد جاءت قرارات مجلس الوزراء، الهادفة الى تحسين بيئة الاعمال والاستثمار، في ستة محاور مهمة ورئيسة، حاولت الحكومة من خلالها معالجة المشاكل والتحديات والمعيقات التي كانت تجعل من البيئة الاستثمارية العراقية ، على الرغم من خصوبتها ، طاردة للاستثمار ، فجاءت القرارات الجديدة باجراءات جدية لمعالجة مشكلة تخصيص الأرض للمشاريع الاستثمارية.
ولطالما كانت هذه القضية من اهم التحديات التي واجهت المستثمرين في السنوات الماضية ، ولم تتمكن الجهات المعنية من تذليلها بسبب وجود قوانين وتشريعات قديمة ، اكل الدهر عليها وشرب ، لكنها مازالت سارية، وهي معرقلة للاستثمار، كما عالجت الإجراءات الجديدة قضية التسهيلات والقروض ، وما تمثله من اهمية للمشروع الاستثماري ، فيما جاء المحور الثالث لمعالجة قضية تسجيل الشركات.
ولم يغفل القرار مشكلة منح سمات الدخول للمستثمرين ، اذ كانت هذه القضية تمثل تحديا صارخا بوجه المستثمرين ، عندما تستغرق وقتا طويلا ، واجراءات معقدة تدفع المستثمر في نهاية المطاف الى ان يشيح باستثماراته الى جهة اخرى توفر له اجواءً افضل ، أما القطاع السياحي ، فهو من اكثر قطاعات التنمية عرضة للظلم وعدم الاهتمام ، على الرغم من كونه يمثل القطاع الأهم ، لما يوفره من دفع ورفع للاقتصاد والتنمية ، ولطالما كتبنا وكتب الآخرون عن اهمية السياحة في بلادنا ، لما يضمه العراق من معالم سياحية بمختلف أصناف السياحة ، التاريخية والدينية والطبيعية ، ولكن بقيت السياحة تعاني ، حتى بعد ادراج الاهوار وآثار بابل ضمن لائحة التراث العالمي ، فجاءت الإجراءات الحكومية الجديدة لتبث الروح في قطاع السياحة ، والنهوض به ، لكي لا تبقى بنا حاجة الى النفط في يوم من الايام .
أما المحور السادس الذي جاءت به إجراءات تحسين البيئة الاستثمارية في العراق، فقد تصدى للجوانب التشريعية التي أشرنا اليها في ثنايا هذه السطور، لاسيما في ما يتعلق بقانون الإقامة وتعديل قانون المدن الصناعية، والعمل على إعداد مشروع لقانون مجلس الاعمار والاستثمار، وتأسيس شركة مساهمة لدعم الاستثمار، بمساهمة من القطاع الخاص، الذي اعطته الإجراءات الجديدة، مساحة تتناسب وحجمه التنموي وإمكانيته ان يكون شريكاً للقطاع
العام .
واللافت في الأمر ان الإجراءات الحكومية الجديدة تضمنت عقوبات رادعة بحق كل من يحاول عرقلة تنفيذها ، لاسيما في ما يتعلق بتخصيص الأرض ، وباقي البنود والمحاور ،فهل ستكون هذه العقوبات ضامنة لتنفيذ وتطبيق الإجراءات والقرارات الجديدة ، التي نأمل لها ان تمضي، وان لا تتعرض عجلاتها الى العصي التي قد تعرقل او تؤخر حركتها ، لكي نرى عجلة الاستثمار في العراق ، وقد بدأت تدور ، فهناك العديد من القطاعات عطشى للاستثمار ، ومنها قطاع السكن، الذي سيحرك بدوره عشرات المفاصل، ويوفر الملايين من فرص العمل
للشباب.