عند مقارنة الفجوة بين مستخدمي الانترنت والهواتف المحمولة من النساء والرجال في كل من الشرق الأوسط وشمال افريقيا، نجد أنها 21 بالمئة لصالح الرجال، بينما نسبتها في كل من أوروبا وآسيا الوسطى هي 4 بالمئة.
وعلى الرغم من التفاؤل واسع النطاق في مساهمة الانترنت والتكنولوجيات الأخرى لبناء مستقبل أفضل وأكثر استقراراً، إلا أنَّ الملايين من النساء ما زلن محرومات من وسائل التقدم هذه.
المحلل المالي العراقي في الإمارات العربية المتحدة وعضو المعهد الأوروبي لحوكمة الشركات وضاح الطه يقول: “أحد أهم الأشياء التي ينبغي متابعتها بجدية هو ضمان دخول الجميع الى الانترنت، وهذا في رأيي الشخصي يعدُّ الخطوة الأولى والأكثر فاعلية في تطوير البيئة المعرفية التي يمكن تحسينها وبناء مجتمع معرفي”.
ويبين وضاح أن الاحصائيات تشير الى أنَّ عدد مستخدمي الانترنت البالغ 4.39 قد ارتفع بنسبة 9 بالمئة عام 2018. كما أنَّ 3.25 مليار شخص يدخل وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام تكنولوجيا الهواتف
المحمولة.
ويلفت وضاح الانتباه الى أهمية تأهيل النساء بالمعرفة الرقميَّة، ما يمكن أنْ يساعدهن في تعليمهن، ليتمكنّ من التعلّم بشكل أفضل وبالتالي يستطعنّ تربية وتدريس أبنائهن. ويؤكد أنه ينبغي على شركات القطاع الخاص مثل البنوك وشركات الاتصالات مساعدة النساء المتدربات عن طريق المعرفة الرقميَّة واستخدامها لأنَّ هذا التأهيل يعود بالفائدة على المؤسسات.
تحديات
ولم تنجح العديد من الدول العربية في معظم قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، على الرغم من فرص تطوير التكنولوجيا المتاحة. فأغلب الناس في هذه البلدان يعيشون في المناطق الريفية وهي مناطق ذات تحديات اقتصادية، إذ إنَّ إدخال الكهرباء والبنية التحتية للاتصالات هو تحدٍ كبير. فمن غير بنى تحتية أساسية لا يمكن للمواطنين المحليين - وخصوصاً النساء - الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة في أي مفصل من مفاصل حياتهم، فتحرمهم من فرص التطور والتقدم.
كما أنَّ الدراسة التي أجراها اتحاد مشغلي ومصنعي GMS (وهو الجيل الثاني من نظم الاتصالات في الشبكات الخلوية)، وتجمع أكثر من 800 مشغل هاتف محمول، تشير الى أنَّ عدد النساء اللواتي يملكن هواتف محمولة أقل من عدد الرجال بـ184 مليوناً. والأكثر من ذلك ان 1.2 مليار امرأة لا تستخدم الانترنت.
المحلل التكنولوجي الأميركي من أصول فلسطينية إياد بركات يؤكد أنه على الرغم من المبادرات العالمية لتعزيز دور النساء في البحوث العلمية والإبداعية والتطوير وتبادل الخبرات، إلا أنَّ أغلب حقول التكنولوجيا والعلوم ليست متاحة للنساء.
يقول إياد: “تاريخياً، كانت مجالات التكنولوجيا والعلوم للرجال وهذا الاتجاه كان واضحاً جدا سواء كان في قاعات الجامعة او في الوظائف، وحتى في وقتنا الحاضر، لا نزال بعيدين عن المساواة بين الجنسين في بيئات المستهلك التكنولوجية في معظم المجتمعات، فلا يتساوى الرجال والنساء في دخولهم مجال الاتصالات وتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي”.
العلوم والتكنولوجيا
مضيفا “إنَّ نسبة النساء العاملات في هذا المجال لا تزال منخفضة جداً، وربما ليس أكثر من 20 بالمئة، على الرغم من أنَّ الأجهزة الرقمية والتكنولوجيات قد أصبحت العنصر الرئيس في جميع مجالات العمل والحياة”.
وتشير مؤسسة الشبكة العنكبوتية العالمية في آخر تقرير لها الى أنَّ نسبة ما تشكله النساء في القوى العاملة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والإبداع في الدول المتطورة أكثر من 26 بالمئة، وان نسبة الفجوة بين الجنسين تكون أكبر في الدول النامية.
وتوضح الكاتبة اللبنانية ميشلين حبيب أنَّ الاستثمار في الانترنت هو استثمار في المجتمع، وشددت على أهمية توفير الوصول المفتوح للانترنت والأجهزة الرقمية.
وتؤكد ميشلين أنَّ “الأمية الرقمية تعزل النساء عن العالم وتحرمهن من فرص العمل وأنْ يصبحن فاعلات في المجتمع والحياة العملية. كما أنَّها تمنعهن من الإسهام في النمو الاقتصادي، بالإضافة الى انفتاحهن على العالم وحصولهن على حقوقهن
الإنسانيَّة”.
ويذكر تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أنَّ الثورة الرقمية هي أبرز مظاهر التطور التكنولوجي، لكنَّ تأثيراتها قد لا تظهر على ما يقارب 25.9 بالمئة من النساء أغلبهن أميات.
ما زال الطريق طويلاً
وتشير ميرفت بنت عبدالعزيزالعريمي (باحثة عُمانية) الى أنَّ “الأمية الرقميَّة لا يمكن أن تتم معالجتها بمعزل عن الأمية بموضوعات القراءة والكتابة، للانخفاض الحاد في برامج محو الأمية في الدول العربية وسياسات التعليم الضعيفة وتدني جودة المحتوى التعليمي، بالإضافة الى النقص في خدمات الانترنت المقدمة لجميع شرائح المجتمع، وخصوصاً الطبقات الفقيرة والمتوسطة بسبب ثمنها الباهظ مقارنة بالدول المتطورة”.
وتقول ميرفت: “إنَّ السياق الحالي في معظم الدول العربية، يعدُّ الانترنت رفاهيَّة أكثر من كونه ضرورة، لأننا في العالم العربي ما زلنا لم نُسخّر بعد جميع قدراته في حياتنا اليومية، ولهذا فاستخدام الانترنت مقتصرٌ على فئات اجتماعية معينة وعلى أهداف محددة، ونادراً ما يتعدى شبكات التواصل الاجتماعي ونشر الأخبار والإعلانات والتسلية، نحن لا نرى مثلاً الاهتمام أكثر بإضافة محتوى عربي على الشبكة أو تطوير البرامجيات باللغة العربية ليتناسب مع الثقافة العربية”.
وتضيف: “كان لنا في عُمان العديد من التجارب لمكافحة الأمية الرقمية خصوصاً بين النساء. وجاءت بعض المؤسسات ببرامج تدريبية للأمهات عن كيفية الاستفادة من الانترنت في حياتهن، واستخدامهن للهواتف الذكية من أجل متابعة دروس أطفالهن أو الحصول على معلومات مفيدة أو التسوق عبر الانترنت والبوابات الالكترونية، من أجل رفع مستوى الوعي الرقمي في السلطنة، وما زال أمامنا طريق طويل قبل أنْ تصبح التكنولوجيا الحديثة جزءاً من حياتنا العملية”.
عن صحيفة The Arab Weekly