هل يطبق القانون على الجميع ؟

آراء 2019/07/27
...

حسين الصدر 
 
- 1 -
من أهم مؤشرات الرقيّ الحضاري التساوي أمام القانون ، بعيداً عن الانحيازات الى هذا أو ذاك ...
انّ المواطنة تعني أنْ يكون الجميعُ متساوين في الحقوق والواجبات، دون تمييزٍ أو استثناء لأحدٍ على حساب غيره من المواطنين .
والى ذلك تشير دساتير الدول ،  ولكنَّ الاشارة النظرية شيء والتطبيق العملي شيء آخر .
وهذه هي المُصيبة .
- 2 -
ويُخطأ مَنْ يعتقد أن التمييز في التعامل بين المواطنين هو من الأعراض التي ظهرت في (العراق الجديد) – اي بعد سقوط الصنم في 9/4/2003 
انّ إفلات أصحاب النفوذ والجاه والثروة من الخضوع التام لمنطوق القوانين أمر معروف منذ العهد الملكي البائد (1921-1958) وقليل هم اولئك المنصفون الجادون في التعامل مع المواطنين بمقتضى القوانين والموازين ...
- 3 -
والمشكلة التي تجد أصداءها في كل وقت وفي كل بلدة عراقية اليوم ، هي غض النظر عن كبار الحيتان واللصوص مِمَنْ نهبوا الثروة الوطنية العراقية واستحوذوا على المال العام وظلوا بعيدين عن المساءلة والحساب ، فيما سِيقَ صِغاُر الموظفين ومن لا تحميهم . جهات نافذة عُليا الى القضاء ليجرّمهم ويودعهم السجون وفيهم من كانوا كبوش فداء وقعت على رؤوسهم الصاعقة ..!!
- 4 -
ومن خلال قراءاتي الكثيرة لكُتب المذكرات والسِيَرِ الذاتية التي كتَبها رجالٌ تولوّا زمام السلطة في العراق في فترات سابقة، أقف على العديد من الشواهد والقصص التي تؤكد وجود الاختراقات الصريحة للقوانين لصالح أصحاب النفوذ والوجاهة والثروة فيما تبلغ القسوة منتهاها مع الفقراء والضعفاء، الى الحدّ الذي تضيع معه الرحمة والانسانية والمروءة حتى كأنهم مواطنون من الدرجة العاشرة ..!!
جاء في كتاب ناجي شوكت :- وهو رئيس وزراء عراقي سابق - 
( سيرة وذكريات ثمانين عاماً 1894-1974) ط . دار الكتب في بيروت ص 91 :
“ بينما كنتُ متجها الى المتصرفيه ذات يوم اذ لفتت نظري امرأة جالسة على مدخل السراى مع طفليها الصغيرين 
فسألتُ الشرطي الحارس على الباب عمن تنتظر هذه المرأة ؟
فقال :
انّها تنتظر المتصرف لتعرض عليه ظلامةً لها فأمرتُ بجلبها ،
فلما دخلتْ عليّ وعرضتْ أمرها ، علمتُ انها ارملة توفي بَعْلُها ، وتَرَكَ لها هذين الطفلين ،
وان لديها ماكنة خياطة تستعين بها على توفير لقمة العيش لها ولطفليها وانّ دائرة الضريبة حجزت ما كنتها لقاء خمس روبيات تراكمت لها بذمتها عن ضريبة دار سَكَنِها التي لا تملك غيرها .
فدفعتُ الى محاسبة اللواء المبلغ المتحقق بذمتها ،
وطلبتُ اليها أنْ تعيد الماكنة الى صاحبتها “
وهنا نلاحظ 
1 – اهتمام (المتصرف) – (المحافظ) بالأرملة واستدعائها الى مكتبه للوقوف على قصتها بشكل كامل وهذا هو المطلوب من المسؤول ازاء كل مواطن 
وأين هذا مِنَ المسؤول الذي يفر من المواطنين وذوي الظلامات فِرارَهُ من الأسد ؟
2 – ان رجال الضريبة تعاملوا مع الأرملة تعامل من لا قلب له ...
وحملهم على ذلك كونها أمراة عزلاء فقيرة ليس لها من يحميها من ذوي النفوذ ..!!
3 – تصدى المتصرف الى دفع الضريبة عنها ، ومن جَيْبِهِ الخاص ، عملٌ لابُدَّ أنْ يُشكر عليه لما انطوى عليه من مروءة وانسانية 
ومن الجدير بالذكر انّ الراحل ناجي شوكت كان قد عُين متصرفاً (للواء) الموصل في تموز 1926 
المصدر السابق /93
- 5 -
لم يكتف المتصرف بانصاف المرأة المظلومة بل أَمَر باطلاعه على قوائم كل المدينين للحكومة ، ولما جِيء بها وجد أنَّ معظمهم كانوا من وجوه المدينة وتجارها والمتمولين فيها فأمر بوجوب تبليغ هؤلاء المدينين ليسددوا ما في ذمتهم فورا ، وأنْ يطبق قانون جباية الديون المستحقة بحق الجميع خلال المدة المنصوص عليها في القانون وهي عشرة أيام...
وهذا اجراء سليم اقتضاه التعامل مع المواطنين جميعا على أنهم متساوون أمام القانون دون انحياز لأحدهم على الأخر ودونما تمييز بينهم .
- 6 -
ونحن نطالب المسؤولين جميعا أنْ يتعاملوا مع المواطنين جميعاً تعامل الآباء مع الابناء، لا كما تتعامل دوائرهم مع المواطنين، حين تكون صارمة قاسية مع الفقراء ، وهيّنة ليّنة مَعَ مَنْيدفع لها ما تريد من الأوراق (الحمراء) أو (الخضراء) ومع من تسنده جهات متنفذه عُليا بعيداً عن كل القوانين والموازين .