معنى الخيانة في انقلاب 30 تموز

آراء 2019/07/28
...


سعد العبيدي 
لم يرض البعثيون عن النتائج التي أسفر عنها انقلابهم المشترك مع الداوود والنايف، اللذين خانا الرئيس عبد الرحمن عارف في 17 تموز 1968، ولم يقتنعوا بما تحقق من نجاح اوصلهم مع حليفيهما الى الحكم، ولم يقبلوا بالاتفاق أصلاً سوى غاية تعبوية للوصول والسيطرة على الحكم. على هذا كانوا يضمرون النيّة خيانة، للتخلص منهما منذ اليوم الاول لتحالف صيغ على أعتاب النوايا المبيتة. 
فتحركوا سريعاً للانقلاب عليهما طرفاً مقابلاً، بحركة سريعة في 30 تموز، وبترتيب بسيط، تأسس على قيام الرئيس البكر بإيفاد وزير دفاعه الداوود، الى الاردن لمعاينة القوات العراقية المنفتحة لأغراض الدفاع على الارض الاردنية، وفور وصوله الأردن، استدعى أي البكر، عبد الرزاق النايف، كرئيس وزراء للتشاور وتناول الغداء. 
فانقض عليه صدام، وجماعته في المكتب، وهددوه بالموت او السفر الى الخارج على الفور، وبالتوقيت نفسه قصد ضباط بعثيون من الوحدات الموجودة في الاردن وزير دفاعهم الداوود، وقاموا بتهديده أو القبول بمنصب سفير، على الرغم من امتناع قائد القوات العراقية المنفتحة في الاردن اللواء الركن حسن مصطفى النقيب (الذي انشق عن البعث لاحقاً وعمل معارضاً الى عام 2003)، عن تنفيذ أمر الاعتقال بالطريقة التي أرادها البكر هاتفياً. في المحصلة رضخ إبراهيم الداوود لأمر العزل الواقع وهو في عمان، مثلما فعل عبد الرزاق النايف في بغداد، وبرضوخهم معاً ووقوعهم في مصيدة الخيانة السياسية معاً، فرض الحزب سيطرته التامة على كل منافذ السلطة في الدولة العراقية، وازاح كل المعارضين لإجراءاته هذه، واعاد تشكيل الحكومة وقيادة القوات المسلحة، لتكونان من البعثيين حصراً. 
لقد نجح الانقلاب الذي تأسس على خيانة الاتفاق المبرم بين الجانبين، وسيطر الحزب على الدولة سيطرة كاملة، وباتت تأثيرات هذه السيطرة تظهر تباعاً لتمتد خمسة وثلاثين عاماً كانت مليئة بالأحداث، ومحاولات التآمر والانقلابات القائمة على الخيانة، كان اشهرها واكثرها تأثيراً على العراق بشكل عام وعلى القوات المسلحة بشكل خاص، انقلاب صدام حسين على البكر عام 1979، الذي يمثل أعلى أنواع الخيانة، والذي توجه فيه صدام وأشقاؤه وحاشيته الى إرغام البكر على التنازل بدعوى المرض، ومنح نفسه رتبة مهيب ركن، واعاد تشكيل القيادة العامة للقوات المسلحة، من مكتب تنسيقي الى تشكيل قيادي تنفيذي، دخل بها حروبا وخرج منها خاسراً، بمستوى حطم اعمدة القوات المسلحة القائمة على المهنية وأخل في مجالات الولاء الوطني والضبط والمعنويات بمستويات لم ترمم حتى آخر معركة مع التحالف الدولي انهتها تماماً. إنها تأثيرات سلبية ستمتد اثارها المباشرة وغير المباشرة على العراق وجيشه وعموم قواته المسلحة، لعديد من السنين، حيث الاكتساب السلبي لبعض انواع السلوك غير السوي، وتفشي بعض الامراض الاجتماعية، التي تعززت عادة في مجال “السلوك العام”، يصعب التخلص منها لعشرات مقبلة من السنين.