البيئة التربويَّة أساس النهوض المجتمعي

اسرة ومجتمع 2019/07/30
...

وليد خالد الزيدي 
ما حفزني على الكتابة في موضوع التربية هو سير هذا القطاع الحيوي على مدى الفترة الماضية التي كانت من دون وزير, إذ يقول منطق الحياة: “لا جسد يسير على الأرض من دون رأس”، غير أنَّ الأنظمة والمؤسسات المبنيَّة على أسس صحيحة وقواعد حصينة, حينما تختزنُ بقية أجزاء الجسد قوى غير مرئيَّة تحكمُ سلوكيات كل الأطراف وجميع الأعضاء وتضعها في مساراتها السليمة, تواصل عملها تلقائياً, ويمكن أنْ نعبر عن تلك القوى بكلمة واحدة هي “الإرادة” وتلك قيمة عليا تولدت بالفطرة لدى العاملين في المجال التربوي في العراق, ليس في هذا الوقت إنما منذ انبثاق هذا القطاع إلى يومنا هذا, برغم المصاعب التي رافقت هذا المجال في الآونة الأخيرة.
التربويون في بلدنا فئة اجتماعيَّة تُدركُ بوضوحٍ عدم إمكانية نهوض أية أمة ولا تطور أي شعب, ولا تقدم أي مجتمع, من دون أنْ يولي أفراده اهتماماً خاصاً بالتربية وتنمية النشء الجديد تنمية صالحة, ويعلمون علم اليقين انَّ الدول المتقدمة لم تحقق ما حققته إلا حينما أولت التربية اهتماماً كبيراً, فهي قبل أنْ تنادي بمبادئ الحرية والعدالة وحقوق الإنسان في مجتمعاتها, هيأت الكوادر المتخصصة, ورصدت الميزانيات الضخمة, ووفرت الإمكانيات الهائلة لكي تدرك مستويات رفيعة من إنجازات حقل التربية, ومن بعده التعليم, وتيقنت أنَّ لا حرية ولا عدالة ولا حقوق إنسان من دون تربية, ونحن ترانا في هذا الموقع نؤكد بما لا يقبل الشك أنه لا يمكن الحفاظ على مكتسبات كل مجتمع من دون شعبٍ متعلمٍ واعٍ مدركٍ لطبيعة الحياة التي يعيشها لكي يرتقي مكانة مهمة بين مجتمعات الأرض.
حينما نورد التعريف الأكاديمي للتربية ونقول إنها (عملية تحسين سلوك الفرد) يمكن أنْ نلاحظ أنَّ الضوابط التي تحكم سلوكيَّة الفرد في المجتمع، إنما توضع أسسها في المدرسة، فضلاً عن ذلك فإنَّ عملية بناء وتنمية الحس الوطني لدى كل طفل ورفع مستوى شعوره بالمسؤولية تبدأ من تلك المؤسسة أيضاً, تلك المفاهيم المتطورة يمكن أنْ يصل لها التلميذ على صغر سنه أو طلبة المدارس الثانويَّة في بداية حياتهم, وهذا المستوى من التفكير الإنساني البناء لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة جهود حثيثة تقوم بها كل من الأسرة والمدرسة والمجتمع معاً.
فالأسرة لها دورٌ مهمٌ في تهيئة أبنائها نفسياً للذهاب إلى المدارس, والانخراط في تعلم أسس بناء مستقبلهم الذي يضمن لهم حياة واعدة, أما المدرسة فتدفعهم باتجاه حب التعلم وطلب العلم والتزود بمبادئ العلوم وأوليات المعرفة, وبالتعرف على المفاهيم الجديدة وما يطرأ على الحياة من تقدم ونماء وحضارة, بينما يقوم المجتمع بدور أكبر فيسهم في تعزيز روح التعاون والمساعدة وبناء الفرد بناءً اجتماعياً صحيحاً, ليضع نصب عينيه منذ صغره تحقيق مستقبله الشخصي الذي يطمح له, ويصل به إلى مستوى التفكير بخدمة المجتمع الذي ينشأ فيه.
أهم ما يقدمه القائمون على التربية في أي بلدٍ هي خطط تنمية هذا القطاع, لا سيما مشاريع بناء المنشآت التربويَّة كالمدارس والدوائر الأخرى, فضلاً عن افتتاح المدارس الأهلية وبإدارات وكوادر خبيرة ومتمرسة, وهنا لا بدَّ من تعضيد ما ذهبت إليه محافظة بغداد في وضعها خطة لبناء (160) مدرسة جديدة في أطراف العاصمة, واستئناف المشاريع المدرسيَّة المتوقفة لفك ازدواج الدوام, وإطلاق تخصيص محاضري بعض مناطق بغداد بعد موافقة وزارة المالية على صرف أجور المحاضرين بالمجان, وحملة ترميم وتأهيل (600) مدرسة، تلك الإجراءات بحاجة إلى دعم أسر الطلاب لحث أبنائها على الانخراط في المدارس, ودور إدارات المدارس لحثهم على المحافظة على الأبنية المدرسية وجعلها قيمة عليا في حياتهم, فضلاً عن دور منظمات المجتمع المدني في تنمية ولاء تلاميذ وطلبة المدارس إلى الوطن والارتقاء به.