نشتري القطار أم ننصب السكة الحديد؟

اقتصادية 2019/08/02
...

أحمد هذال*
انطلقت في عنوان مقالتي هذه تحديداً من قول استاذ الدراسات العليا في علوم الاقتصاد (د.عبد الرسول علي) عند مناقشة قضية سعر صرف الدينار العراقي، عندها أثارت العديد من الاسئلة: لماذا نبقي على سعر صرف ثابت؟
لماذا لا نغير استراتيجية القطاع النقدي؟ لماذا لم نغير قيمة الدينار العراقي؟ 
لماذا لا يوجد تأثير للسياسة النقدية في الاقتصاد عبر بقية المتغيرات النقدية غير سعر الصرف مثل سعر الفائدة والائتمان والادوات الأخرى؟ 
ومن يمثل السكة، القطار؟ هل القطاع الحقيقي ام النقدي؟.
وأجيب، بالدرجة الاساس نحتاج الى تحريك القطاع الحقيقي قبل القطاع النقدي، لان المالية العامة هي المسؤول الاول عن تحريك عجلة الاقتصاد وبعدها يأتي دور البنك المركزي الداعم لعملية الاستقرار الاقتصادي وقرارات المالية العامة، فمسألة نافذة العملة، برأيي متواضع، لا تنذر بمشكلة آنية او حتى تحل مشكلة حقيقية متعلقة باختلال الهيكل الانتاجي او دعم منتج معين، فالاجدر تطبيق سياسات مالية استثمارية وضريبية وكمركية وهي ادوات فعالة بشكل كبير، فهذه النافذة عبارة عن ردم فجوة الطلب المتزايدة نتيجة زيادة استهلاك السلع المستوردة، وهذا نتيجة اختلال هيكل الاقتصاد العراقي ووجود
طاقات انتاجية معطلة.
 اذا المشكلة حقيقية تتعلق بهيكل الاقتصاد وليست نقدية، فالحديث يجب ان يدور حول الاقتصاد الحقيقي بالدرجة الاولى ومن ثم النقدي، ومن هنا نلحظ أن هناك انفصالا شبه تام بين الاقتصاد النقدي والحقيقي، واليوم ربما نكون لحالة واقعية في العراق على وجه الخصوص لنظرة “روبرت مالثوس” في السكان والغذاء، فالسكان اليوم يتزايدون بمتوالية هندسية، والانتاج بمتوالية 
عددية (واقل من ذلك).
 فاستجابة الاقتصاد ضعيفة لتغيرات القطاع النقدي في القطاع الحقيقي، ومن ثم فإنّ ادوات السياسة النقدية يكون تأثيرها بسيطا جداً، فضلاً عن أن سعر الفائدة في الاقتصاد العراقي منخفض المرونة، فتعشيق السياستين لا ينجح اذا لم يستجيب الاستثمار الى تغيرات سعر الفائدة.
كما ذكرنا أنّ تأثير سعر الفائدة على الاستثمار ومن ثمّ الانتاج ضعيف، ولعلّ أغلب الاقتراض يكون تجاريا وليس صناعيا، وهذا ما يزيد من الاستيراد والذي نهدف الى تحييده، فضلاً عن ان سياسة البنك المركزي تكون انكماشية في حالة قيام المالية العامة بزيادة الانفاق العام، لان هدفه الاساسي هو تحقيق الاستقرار، فإذا كان الهدف من الانفاق هو الاستثمار، فهذا يزيد من مرونة السياسة النقدية في التعامل مع المتغيرات.
فإنّ أي تغيير بسعر الصرف حالياً (انخفاض قيمة الدينار امام الدولار) تمثل مجازفة اذا لم تتوفر البنية الانتاجية الملائمة لقيام عملية إحلال الواردات، اي يجب ان يسد الانتاج المحلي الطلب المحلي على الاقل، فالسكة التي يجب ان يستند عليها القطار والتي يجب نصبها قبل شراء القطار هي القاعدة الانتاجية والتي تمول من قبل عناصر الطلب الكلي وخصوصاً متغير الاستثمار في هذه العناصر، فضلاً عن قاعدة القطاع الخاص. 
هذه هي السياسة النقدية تجعل الاقتصاد مستقراً عند حدوث موجات تضخمية وتقوم بتغيير الادوات النقدية بغية المحافظة على الاستقرار النقدي والاقتصادي بعد كل عملية انفاقية.
* باحث اقتصادي