{ذئاب الليل» في المصيدة

آراء 2019/08/03
...

أحمد حسين
“الحرب خدعة” حكمة أو مقولة عمرها مئات أو آلاف السنين، لا أعرف ذلك حقيقة، لكن ما أعرفه وأتيقن منه أن الخداع والمراوغة وحتى الاحتيال، خطط صووسائل أساسية في الحروب للظفر بالنصر، ولا يعد اللجوء إليها منقصة أو سبة على من يعتمدها مهما كانت مكانته العسكرية أو السياسية، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً طوال التاريخ البشري المدون، أما في تاريخنا الحديث المدون كتابياً وصوتياً وصورياً وفيديوياً فقد أصبحت “الخدعة” عنصراً أساسياً في الحروب، لكن الأهم من الخدعة هو الإعلام الذي لعب دوراً مهماً وأحياناً حاسماً في تحقيق الانتصار لأحد الطرفين أو حتى لإنهاء الحرب، حتى أن المراسل الحربي أصبح عنصراً أساسياً تنتقيه الجيوش بعناية وتدقيق وتمحيص في غاية الدقة لكونه يمثل أداة مهمة في الحرب الإعلامية والنفسية.الإعلام الحربي أو الأمني من أكثر صنوف الإعلام صعوبة وتعقيداً وخطورة فهو بالفعل سلاح ذو حدين، أما أن يقويك على عدوك أو العكس، ومن غير المستبعد أن يكون وسيلة لقتل عدوك أو لقتلك، وللأسف الشديد إعلامنا الحربي والأمني لم يكن بالمستوى المرجو منه ولا أقول بالمستوى المطلوب فهو أمر لم يتحقق أبداً طوال سنوات الإرهاب، أما أن يكون سلاحاً فاعلاً فهو ما لم ولن يتحقق على ما يبدو من خلال المتابعة وليس الاجتهاد أو الانتقاص، بل إن الإعلام المضاد كان أشد فاعلية ليس في تحفيز المشاعر للتعاطف والتآزر مع قوى الإرهاب والقوى الخارجة عن القانون والمستعدين مسبقاً للتعاطف والتعاون معها، لا بل إنه جعل الإعلام الحربي والسياسي العراقي على الدوام في موقف المدافع عن اتهامات معظمها ليست بالحقيقية بل إن غالبيتها كانت افتراءات وادعاءات لا أساس لها من الصحة والإعلام المعادي كان يعرف ذلك لكنه في الوقت نفسه عرف أن إعلامنا لا يجيد استخدام أدواته المتوفرة التي لو تم توظيفها من قبل أناس مختصين مهنيين لقلبوا الطاولة على الإعلام المضاد ولأصبح العراق والعراقيين مركز جذب للدعم والتعاون ضد الإرهاب والتعاطف مع العراقيين ضد الهجمة الإرهابية التي استهدفتهم طوال خمسة عشر عاماً، وما زالت.
الأمثلة على ما أقوله لا تعد ولا تحصى وكنت أنوي كتابة سلسلة مقالات عن هذا الموضوع (فشل الإعلام الحربي) ونشرها بعد تحقيق الانتصار على تنظيم داعش، ومن ثم تطورت الفكرة إلى تأليف كتاب عن هذا الموضوع، لكن ما جعلني أتريث أن الحرب الإرهابية والسياسية ما زالت قائمة ضد العراق ونشر مثل هكذا تفاصيل - كنت مطلعاً عليها عن كثب - قد يخدم أهداف أعدائنا وخصومنا أكثر مما يخدمنا، لذلك أصبح مشروعاً مؤجلاً حتى إشعار آخر، لكنه إشعار مسمى فلا بد من التنبيه إلى هذا الضعف الخطير في إعلامنا. النموذج الذي اخترته لهذا الموضوع صدر قبل أيام قليلة ولكن لخطورته التي لا تقل عن خطورة ما قبله من المواضيع والتصاريح والنماذج السلبية لإعلامنا الحربي والأمني، كان لا بد من تسليط الضوء عليه حيث أن الأوضاع الأمنية الحالية تساعد وتشجع على تنبيه القيادة العليا إلى نقاط الضعف.
النموذج هو تصريح لقيادة شرطة محافظة ديالى جعلني أتساءل وربما غيري أيضاً: هل انتهى الإرهاب في ديالى لكي تكشف قيادة الشرطة عن الخطة أو التكتيك الذي نجح في استدراج الإرهابيين إلى كمائن معدة مسبقاً لقتلهم أو اعتقالهم؟.
قيادة شرطة ديالى كشفت في تصريح لإحدى وسائل الإعلام المحلية عن تكتيك أطلقت عليه “ذئاب الليل” ملخصه هو نصب كمائن لاستدراج الإرهابيين لإلقاء القبض عليهم أو قتلهم، وبحسب القيادة فقد نجح هذا التكتيك، هذا الإعلان يبدو إيجابياً جداً ولربما يظن البعض أنه يدخل ضمن مفردات الحرب الإعلامية والنفسية، لكن الحقيقة أنه على النقيض من ذلك تماماً، بل إنه بمثابة تحذير وتنبيه للإرهابيين من الوقوع في فخ “ذئاب الليل”!.
كيف جعلت قيادة شرطة ديالى من تكتيكها المحكم وسيلة لنجاة الإرهابيين؟، لأنها فتحت أعينهم لرؤية أي فرصة سانحة لتنفيذ عملية إرهابية من الممكن أن تكون فخاً، فلو أنني كنت عنصراً في تنظيم إرهابي واطلعت على تصريح قيادة الشرطة فسوف أكون حذراً في أي عملية أنوي تنفيذها وسأنظر إلى كل ما يبدو وكأنه ثغرة أو غفلة من القوات الأمنية أو المواطنين، على أنه كمين معد للإيقاع بيّ وبخليتي.
هل اكتفت شرطة ديالى بذلك؟، كلا، فقد كشفت كيفية عمل هذا التكتيك والنتائج التي حققها، ولم تقف عند هذا الحد بل إنها حددت الرقعة الجغرافية التي يتم تطبيقه فيها، وذهبت أبعد من ذلك عندما كشفت عن القوة الأمنية التي تتولى تطبيقه وهي قوات سوات التي تتميز عن باقي القوات الأمنية بزيها الذي يشابه زي جهاز مكافحة الإرهاب وكلاهما زيان مميزان يثيران القلق والرعب في نفوس الإرهابيين، وبالتالي فإن الإرهابيين وبعد الهدية الثمينة التي قدمتها لهم قيادة الشرطة فما أن يرى أحدهم عنصراً من سوات أو مكافحة الإرهاب حتى يفر هارباً محذراً خليته ومن معه ومن يعرفه من الإرهابيين المتواجدين بالقرب من هذا
 المكان.