العقوبات الاميركية على إيران تضر بموارد العراق المائية

العراق 2019/08/03
...

ترجمة: انيس الصفار
 
رغم ثبات هذا النوع من العلاقات بين البلدين فإن الآثار السلبية التي ستلحقها العقوبات بموارد العراق المائية لا تزال من ضمن الجوانب التي لم تعطَ قدراً كافياً من التأمل والدراسة. لقد أبرز الضغط الاميركي اهمية الاكتفاء الذاتي غذائياً كهدف سياسي أساسي بالنسبة لطهران، وهي سياسة تبعها بطبيعة الحال استغلال مكثف للموارد المائية في البلد. ونظراً لكثرة الانهار التي تجري من إيران عبر الحدود لتصب داخل العراق فإن التبعات السلبية لهذه السياسة، المرتبطة بالعقوبات، سوف يشعر بها العراق ايضاً.
الاكتفاء الذاتي غذائياً
منذ ثورة العام 1979 بقيت إيران هدفاً للضغوط والعقوبات (بقيادة أميركية)، الأمر الذي جعل قيادة هذا البلد تتوجه لمحاولة سد احتياجات الغذاء ذاتياً، بيد أن الأمن الغذائي لم يمكن بلوغه بشكل كامل رغم كونه هدفاً رئيساً دائماً بالنسبة لإيران ما بعد 79. فالانتاج المحلي من الحنطة مثلاً، وهي غذاء اساسي في إيران، قد ارتفع ولكن الاستيراد بقي طاغياً على الانتاج المحلي في معظم الاحيان. إلا ان الوضع تغير خلال فترة رئاسة "باراك أوباما" إذ اكتسب الاكتفاء الذاتي غذائياً اهمية ستراتيجية في إيران، الأمر الذي يوضح قوة العلاقة بين الضغط الخارجي والأمن الغذائي. بدءاً من العام 2010 وسع الرئيس الأميركي آنذاك العقوبات القائمة باستهداف قطاع الطاقة الإيراني وتمكن من حصد الدعم لسياسته من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.رداً على تصعيد الضغوط اطلقت طهران سياسة اسمتها "اقتصاد التصدي" بهدف موازنة آثار العقوبات الاقتصادية مع الاحتفاظ باستقلالها السياسي، وكان أحد الاهداف الاساسية لهذه العقيدة هو تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالي الغذاء والانتاج الزراعي. في عهد حكومة الرئيس روحاني تمكنت إيران أخيراً من بلوغ الاكتفاء الذاتي من محصول الحنطة وأخذت تصدر هذا المحصول الستراتيجي الى الخارج. من الجدير بالإشارة هنا أن العقوبات والمقاطعة نادراً ما تستهدف واردات الغذاء بشكل مباشر، ولكن بعض العقوبات، مثل تلك التي تفرض على التعاملات المالية مع إيران، تتسبب بشكل غير مباشر في عرقلة وصول الواردات الغذائية، وهذا هو السبب الذي دعاهم الى التوجه نحو الاكتفاء الذاتي.
 
الاستهلاك المائي
سياسات التشجيع على الزراعة، المنبثقة من شدة التركيز على الأمن الغذائي، تسببت هي الأخرى باستنزاف الموارد المائية في إيران. فالزراعة عموماً تكون السبب الأكبر في ارتفاع استهلاك المياه العذبة، وهذا يصدق بشكل خاص على إيران. فحين تكون الزراعة مسؤولة عن سحب 70 بالمئة من المياه العذبة على نطاق العالم، ونسبة 84 بالمئة ضمن مناطق غرب آسيا، فإن هذه النسبة ترتفع في إيران الى حدود 92 بالمئة. أدت العقوبات الى فرط استخدام المياه، ليس فقط بنحو غير مباشر عن طريق تشجيع التوجه نحو الزراعة، بل كانت هناك اثار مباشرة ايضاً. فمن خلال تضييق المنافذ امام إيران لدخول اسواق التكنولوجيا العالمية ساهمت العقوبات في تدني كفاءة استغلال المياه، الأمر الذي رفع الكميات المطلوبة للوصول بالانتاج الى أهدافه المقررة. فمن أجل تأمين كميات المياه التي يتطلبها الري اخذت طهران تركز اساساً على بناء السدود وغيرها من البنى التحتية، مثل مشاريع تحويل المياه ما بين أحواض الانهر.
 
تأثيرات ذلك في العراق
بناء السدود واقامة مشاريع تحويل المياه في أعالي الانهار، بالاضافة الى تكثيف الزراعة في الجانب الإيراني من احواض الانهر المشتركة مع العراق، أضرت بكميات ونوعيات الموارد المائية التي يحصل عليها الأخير. فبسبب كون المحافظات الإيرانية المحاذية للحدود العراقية مناطق زراعية اساسية كان من الطبيعي أن تستغل الانهار العابرة للحدود لأغراض الري، لذا أقيمت السدود على روافد نهر دجلة، مثل سد داريان على نهر سيروان (نهر ديالى) وسد سيلفيه في حوض الزاب الصغير. وفي الجنوب شهد نهرا الكرخة والكارون، اللذان يصبان في شط العرب، ايضاً تطوير بنى تحتية مماثلة.
علاوة على هذا انشأت طهران مشاريع لتحويل المياه ما بين الاحواض مهمتها نقل مياه الانهار العابرة للحدود الى مناطق زراعية أخرى، فعلى سبيل المثال حولت مياه نهر الكارون لدعم الزراعة في حوض نهر زيانده وسط إيران. هذه الفعاليات التي تجري في اعالي الانهار لم تسفر فقط عن خفض كمية الجريان في الانهار المعنية بل أثرت سلبياً في نوعية المياه ايضاً. فالمياه الراشحة من المناطق الزراعية مثلاً أدت الى تلويث المياه العائدة الى نهر الكارون.
أخيراً ساهم تدني كميات المياه الواصلة الى العراق ونوعيتها، إن لم نقل تسبب، في مشاكل اقتصادية وسياسية عديدة لهذا البلد، لأن المزارعين العراقيين الذين يعتمدون على الانهر الجارية عبر الحدود باتوا يواجهون مشكلة ضعف الانتاج نوعياً أو الاضطرار الى الهجرة وترك اراضيهم، وقد انعكست اثار ذلك على نوعية الحياة ومستويات الانتاج الزراعي في تلك المناطق. ففي محافظة البصرة الحدودية مثلاً أخذ التنافس الحاد جراء نقص المياه يتسبب منذ الان في وقوع مواجهات عنيفة بين عشائر المنطقة، كما صار البصريون يتظاهرون احتجاجاً على شح المياه وارتفاع نسبة الملوحة فيها. من جهة أخرى حفزت المياه الداخلة الى العراق عبر منطقة كردستان الحكومة المحلية هناك على خفض جريان الماء الى باقي انحاء العراق. أدى ذلك الى حدوث توترات بين الحكومة المحلية والحكومة المركزية في العراق.
 
الخلاصة
المشاكل الاقتصادية والسياسية المختلفة المتعلقة بالمياه يمكن ربطها جميعاً، بدرجة أو بأخرى، بالعقوبات والقطيعة المفروضة على إيران. فالتضييق على تجارة هذا البلد مع العالم هو الذي جعله ينتهج سياسة الدفع الاقصى باتجاه الاكتفاء الذاتي من المواد الاساسية، مثل المنتجات الغذائية الضرورية لحياة النظام واستقلاليته. تبعاً لذلك استغلت مياه الانهار المشتركة للتمكن من توسيع النشاط الزراعي، وهذا انعكس سلبياً على العراق. ورغم اكثار المسؤولين في البلدين من الاشارة الى تأثيرات الأوضاع المناخية في ما يخص المشاكل المائية عبر الحدود فإن الممارسات التي من صنع الانسان في اعالي الانهار يجب الأ تغفل. لذلك فإن التوصل الى حل دائم طويل الأمد للمشكلة القائمة بين إيران والولايات المتحدة سوف يرتد بالفائدة على الموارد المائية، لا في إيران وحدها بل في العراق كذلك. 
بيتر جان دوكس/
عن مجلة {يوراسيا ريفيو} الالكترونية