يستذكر العراقيون بلوعة وأسى هذه الأيام الذكرى الخامسة الأليمة لفاجعة ابناء شعبنا الإيزيدي إثر تعرضهم الى أبشع هجمة بربرية غاشمة عرفها العصر الحديث قامت بها عصابات داعش الإرهابية المتوحشة واقترافها فظائع يندى لهولها جبين الإنسانية وما كان بوسع إيزيدينا العزل الوادعين حيالها حينذاك إلا تحمل أوزارها القاسية وكان مئزرهم الصبر ودرعهم الجلد...
واذا بتلك الأيادي المجرمة الغادرة تحيل اشواقهم التائقة الى مشروع مريع لطمر جماعي تعانقت فيه عظام الشهداء من مختلف الأطياف كأنهم ارادوا - والهفي عليهم- بعناقهم هذا وقبل ملاقاتهم لبارئهم ان يوجهوا رسالة الى بني وطنهم مفادها:”لقد وحدنا الموت فلا تفرقنكم الحياة”.
لم تنتظرعزائم الغيارى من بواسل قواتنا الأمنية العراقية ما حل بإخوانهم الايزيديين الممتحنين إذ هبّوا كالمارد لنصرتهم مرخصين في ذلك الغالي والنفيس باذلين الدماء السخية والتضحيات الجمة مدركين ان (داعش) ما هي إلاّ مخطط مسموم يراد منه استنزافُ قدرات عراقنا الجديد وتمزيقُ نسيجه التعايشي باستخدام أغطية دينية وعزفٍ موجوعٍ على أوتار طائفية وتجريده كذلك من رأس ماله الحضاري المتمثل بفسيفسائه التنوعية التاريخية الزاهية تمهيداً للهيمنة على مقدراته وثرواته. ويجدر بنا في هذا السياق الترحم على ارواح شهداء قواتنا المسلحة العراقية الأبرار ممن إفتدوا بأرواحهم الطاهرة أحبتهم الايزيديين وفي مقدمتهم اللواء الطيار البطل (ماجد التميمي) الذي استشهد بتاريخ 12/اب/2014 اثناء تنفيذه واجب استنقاذ الأسر الايزيدية المحاصرة في (جبل سنجار). كما نتوجه بوافر الامتنان للمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف التي بادرت الى احتضان العديد من تلك الأسر بعطفها الأبوي الغامر موفرةً لهم المأوى والمأكل والمشرب والطبابة والرعاية الاجتماعية فيما أوعزت حكومة د. عبدالمهدي الى وزارة الثقافة لإرسال (وفد فني متخصص) لتفقد (المعابد والمراقد الايزيدية) لتقييم الأضرار بهدف إعادة ترميمها متحركة بحرص لادراج معبد (لالش) و(مواقع إيزيدية تاريخية تعود الى القرنين الثالث والرابع)الميلادي على لائحة (اليونسكو) للتراث الإنساني عادّة عدتها لإقامة (يوم ثقافي تراثي إيزيدي) مانحة كل التسهيلات اللازمة للمخرج البريطاني (رايان دي سوزا) لإنتاج فلم توثيقي للكارثة
الايزيدية.
ثلاثة ملايين نازح معذب بضمنهم الأيزيديون إقتلعهم الإرهابيون قسراُ من ديارهم فيما أقدموا على بيع المئات من النساء الايزيديات في سوق الرقيق ومازال مصير ثلاثة آلاف إيزيدية في مطاوي المجهول لغاية هذه الساعة... اطفالٌ بعمر الورود، أمهاتٌ توشحن بالمصائب، أشياخٌ أحنت ظهورهم طوارق الزمن العصيب جعجع بهم الأشرار وعبروا بهم الحدود ومن جازف بالافلات من قبضتهم آثر الهجرة الى خارج الوطن ليكشف للضمير الانساني المغيب أسرار المأساة الأيزيدية التراجيدية الكبرى كـ(نادية مراد) التي أوصلت الصوت الايزيدي المغدور الى المحافل الدولية وحازت على (جائزة نوبل) للسلام واستقبلتها مؤخراً (الرئاساتُ العراقيةُ الموقرة) بالحفاوة والتكريم والإشادة في أعقاب إحراز النصر المبين وتقويض دولة الخرافة والاقتصاص من أوغادها لما اقترفوه بحق الأبرياء من ابناء شعبنا من جرائم نكراء ولتخليص البشرية جمعاء من شرور هذه الفئة التكفيرية الباغية.والى ذلك دأبت حكومة الدكتور عبد المهدي على ادراج جرائم داعش وانتهاكاته على لائحة (الجرائم ضد الانسانية) مستقدمةً لهذا الغرض لجنة تحقيق أممية مازالت تزاول عملها الحثيث بمساعدة (وزارة الخارجية العراقية) وصولاً الى هذا المبتغى
النبيل.
منطلقة من منظورها الوطني بأن عراقاً من غير المكون الايزيدي او اي مكون آخر هو عراقٌ منقوص النكهة والهوية والملامح. موجهة الوزارات المعنية بتأسيس أول جامعة في (سنجار) وإنشاء مستشفى تخصصي لعلاج الناجيات من الايزيديات من الآثار النفسية للاختطاف والتعذيب والاستمرار بمنحهن منحة الـ (2) مليون دينار. كما تم فتح (17) مقبرة جماعية للإيزيديين في سنجار من اصل (73) بالتعاون مع المنظمات الدولية وهي مصممة على كشف وإدانة وسوق مقترفيها الى العدالة الدولية فيما هي عاكفة بجد على إعادة جميع النازحين وبسط الأمن والاستقرار والإعمار في البلدات الايزيدية كيما تعود المياه الى مجاريها هناك. كما انها ممتنة جداً من شراكتها المثمرة مع أصدقائها في المجتمع الدولي وعلى رأسهم (مملكة الدنمارك) الموقرة في مجالات مكافحة الارهاب وتجفيف منابع التطرف لاسيما الدور الحيوي الذي يضطلع به المستشارون العسكريون الدنماركيون في قاعدة (عين الأسد) الجوية بمحافظة (الأنبار) العراقية وما يقدمونه من دعم كبير للقوات المسلحة العراقية.. وحكومتنا الوطنية عاقدة العزم للمضي قدما نحو استكمال بناء مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية ولتسريع وتائر آلياتها التحولية النهضوية والالتزام بالنهج الاعتدالي الوسطي في التعاطي مع محاور محيطها الاقليمي والدولي لتكون جزءاً من الحلول لأزمات المنطقة فضلاً عن سعيها لتوفير الخدمات ومحاربة الفساد وتنشيط الاقتصاد والاستثمار، وتنقية الأجواء بين (بغداد) و (اربيل) والإعادة الطوعية لمن تبقى من النازحين الى بلداتهم، وإنعاش المدن المحررة ومطاردة واجتثاث الخلايا الارهابية المتخفية في المناطق النائية، وتوفير فرص العمل للعاطلين، وقطع الطريق على كل من تسول له نفسه العودة بشعبنا الى المربع الدكتاتوري التسلطي الاول.
أيزيدييونا الأماجد اليوم ورغم رزايا المحنة وأهوالها فقد تعلموا منها – بحمد الله- دروساً بليغة وتلمسوا من خلالها طريقا جديداً كي لا تستنسخ المأساة نفسها مرة أخرى.. ويقينا أنهم سيخرجون من تعقيداتها وتداعياتها أصلب عوداً وأقوى شكيمةً وأعمق بصيرة. ذاك لأنهم أدركوا ضرورة رص الصفوف وتصويب المسارات ونيل الاستحقاقات واقتناص الفرص وتجاوز الآثار والشروع - وبلا إبطاء- بإعادة ترتيب أوراق البيت الأيزيدي وتشخيص الأسبقيات والاحتياجات وهم يحظون بالدعم والمساندة من الحكومة العراقية والمجتمع الدولي والمنظمات الانسانية. بعد ان نجحوا في كسر عزلتهم الإعلامية.
ولا يفوتني اًن أتوجه الى مقام الأمير (حازم تحسين بك) بأعطر التهاني والتبريكات بمناسبة تنصيبه مؤخراً أميراً للطائفة الايزيدية في (العراق والعالم) متمنيا له كل التوفيق والسداد في إدارة شؤون هذا المكون الكريم مثمناً سجله الرعوي والارشادي والقيادي.
وستبقى سنجار والشيخان وسائرُ المدن الايزيدية المنكوبة -أبد الدهر- الجرح النرجسي الفاغر في الذاكرة العراقية لترسم للأجيال العراقية الصاعدة أيقونة (الألم والأمل) لعراقٍ موجوع لكنه موعودٌ بعمر جديد.
* سفير جمهورية العراق لدى مملكة الدنمارك