لا يهم المواطن في أية دولة من العالم، إذا أراد شراء سيارة، سواء كانت صناعتها أمريكية أو ألمانية أو فرنسية أو يابانية أو أيرانية، بقدر بحثه عن جودتها ومتعلقاتها الإقتصادية، بدءاً من سعرها والى موادها الاحتياطية واستهلاكها للطاقة، وهكذا الحال لبقية المنتجات، سواء كانت محلية أو مستوردة.
يختلف حال الدولة عن المواطن، حيث تضع بحساباتها، العلاقات السياسية وتبادل المنفعة، والمحافظة على منتجها المحلي، وتشغيل الأيدي العاملة لديها، وإمكانيتها في فتح خطوط إنتاجية داخل البلد.
سعى العراق في الآونة الأخيرة، من خلال سلسلة زيارات أقليمية ودولية، قام بها رؤساء الوزراء والجمهورية والبرلمان، ومعظمها مبنية على التبادل التجاري والاستثماري، للانتقال بالسياسة الاقتصادية من الريع الى الاستثمار والإنتاج، وعلى أساسها بناء شراكات دولية واتفاقيات، تعود بالنفع على العراق وتلك الدول اقتصادياً وسياسياً.
عقدت الحكومة العراقية اتفاقيات عدة، مع الأردن ومصر وايران والسعودية وألمانيا وفرنسا، تعلقت باستثمارات منها الآنية وآخرى ستراتيجية بعيدة الأمد، بطابع اقتصادي متبادل، وسياسي ينأى بنفسه عن المحاور الدولية وبالذات المتصارعة، على اعتبار أن الاقتصاد أحد أهم مداخل السياسة والعلاقات الدولية ومحركها، في ظل تطور الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود، والمؤثرة بسياسة البلدان، ولجعل الساحة العراقية ملتقى لدول مختلفة ومتخالفة ومتقاطعة أحياناً، وفق رؤية رسمتها الحكومة العراقية، وتفاوت القبول الشعبي والسياسي تبعاً لطبيعة سياسة هذه الدولة أو تلك.
استفاد العراق من موقعه الستراتيجي، وحاجته للاستثمار وبناء الاقتصاد بشكل يختلف عن سياسة عقود، واستطاعت الحكومة أن تمسك زمام المبادرة عابرة كل التقاطعات الداخلية والخارجية، وتحدد طبيعة الشراكة وفق الحاجة والمصلحة، ولم تدع دولة على حساب آخرى، فلم تتقرب لإيران أكثر من السعودية وبالعكس، واختار العراق مناطق بذاتها للاستثمار، ولم يدع الدول تفرض طبيعة الشراكة على أساس مناطق ترتبط بها إثنياً، وهذا الحال بالنسبة للفرنسيين والألمان، ويبقى الجانب الأمريكي، هو الآخر يبحث عن فرصة في العراق، ومدخل يعطي الثقة بالجانب الأمريكي.
استخدمت الولايات المتحدة خلال السنوات السابقة؛ سياسة أثرت بشكل سلبي في طبيعة تواجدها في العراق والمنطقة، وبدل أن يشكر العراقيون تلك القوات على مساعدة الشعب العراقي في إسقاط الدكتاتورية، صارت الشكوك واضحة تحوم على طبيعة الأفعال الأمريكية المستفزة للشعب العراقي، ومحاولتها فرض الآراء السياسية، وزج العراق كطرف في الصراع الأمريكي الايراني أو الإيراني السعودي.
هذا ما جعل العراق ينظر بتوجس ويفقد الثقة بالطرفين، وأنهم ليسوا كبقية الشركاء، بمحاولاتهم ابتزاز الجانب العراقي، وجعله ذراعا موالية يلوح بها لتهديد المنطقة.
إن التسابق الدولي على العراق، سيجعله يتأنى في اختيار الأجود والأنسب، والأكثر فائدة آنية وستراتيجية، في ظل بحثه عن استعادة دوره المحوري، وبقائه طرفا بعيدا عن الصراعات الدولية، ويفضل لعب دور الوسيط لإخماد النزاعات الإقليمية، كونه صاحب تجربة مريرة منذ عقود، ويرى أن الحرب ليست من مصلحة أحد، وسيكون متضررا في حال استمرارها، أو نشوب ما لا تحمد عقباه.
من مصلحة أمريكا أن يكون العراق ساحة استثمار جاذبة، بعيدة عن المحاور، وتأتي الشركات الايرانية والسعودية والأردنية والمصرية والألمانية والفرنسية، وتدخل الولايات المتحدة كبقية الشركاء، من دون إشعار الحكومة أو المكونات السياسية والشعبية أن العراق تابع لطرف، وبذلك تتبدد المخاوف العراقية من سعي الأمريكان في الهيمنة على العراق، وتتأكد الدول الأقليمية من ذلك بما فيها الموالية للسياسة الأمريكية، التي تشعر وتتحدث سراً أو علناً بأن التواجد الأمريكي، لا يمكن أن يكون منظمة خيرية في المنطقة، بل تثبت القناعة أنها مصالح مشتركة.
من حق الدول اختيار مصالحها حيث تكمن، ومن يحقق لها نموا إقتصاديا واستقرارا سياسيا، ومن مصلحة أمريكا أن تعطي للعراق دور الوسيط في حل النزاعات الدولية، وتعتبره شريكا نزيها لا يميل الى طرف.