كلما دنا جنود أميركا وحلفاؤها من ساحة إيران تدهورت الأوضاع
قضايا عربية ودولية
2019/08/05
+A
-A
ترجمة : انيس الصفار توم أوكونر
القرار الذي اتخذه الرئيس “دونالد ترامب” بإرسال امدادات عسكرية أميركية اضافية الى منطقة الخليج، واقتراح بريطانيا أن يشكل التحالف الأوروبي قوات للدورية في مضيق هرمز، لن يزيدا خطر المواجهة مع إيران إلا تفاقماً.
منذ شهر أيار الماضي نشرت ادارة ترامب حاملة طائرات مصحوبة بالمجموعة الضاربة الملحقة بها، اضافة الى قوة من قاذفات القنابل ونحو 2500 جندي، الى الشرق الاوسط والى السعودية التي استقبلت يوم الثلاثاء الماضي أول فريق من الجنود الاميركيين منذ 2003، وهي السنة التي غزت فيها الولايات المتحدة العراق المجاور واطاحت بنظام الحكم فيه.
منذ شهر أيار الماضي نشرت ادارة ترامب حاملة طائرات مصحوبة بالمجموعة الضاربة الملحقة بها، اضافة الى قوة من قاذفات القنابل ونحو 2500 جندي، الى الشرق الاوسط والى السعودية التي استقبلت يوم الثلاثاء الماضي أول فريق من الجنود الاميركيين منذ 2003، وهي السنة التي غزت فيها الولايات المتحدة العراق المجاور واطاحت بنظام الحكم فيه.
بعد 16 سنة من ذلك ها هي واشنطن تقف على حافة المواجهة مع خصم آخر هو طهران، التي حاولت ادارة ترامب عزلها بعقوبات من جانب واحد رحب بها الشركاء في شبه الجزيرة العربية بينما عارضها الحلفاء الأوروبيون والصين وروسيا، المشاركون في التوقيع على الاتفاقية النووية مع إيران في العام 2015 التي تخلت عنها الولايات المتحدة في السنة الماضية.
مع انسداد آفاق الحوار بسبب الشروط المسبقة الصعبة، وإذ يستبعد تخلي كل طرف عن شروطه من جانبه، يشعر الخبراء بأجواء قلق من اندلاع صراع، سواء بقرار مدبر أو جراء خطأ في الحسابات. في حديث مع مجلة نيوزويك قال محلل السياسة الخارجية شاهد غوريشي، وهو خريج من كلية الدراسات المتقدمة والدولية التابعة لجامعة “جونز هوبكنز”: “لقد حشرت ادارة ترامب نفسها في خانة ضيقة مع حلفاء مغامرين يزدادون تهوراً وهم يتصورون بأن عتلة القوة أصبحت في يدهم بفضل حسن علاقاتهم الثنائية مع الولايات المتحدة وما دام باب الدبلوماسية قد أغلق مع إيران.”
يمضي غوريشي قائلا: “الولايات المتحدة الان تفتقر الى المرونة الستراتيجية في المنطقة، والتوسع العسكري في السعودية بشكل خاص يمثل خطأ فاضحاً لأنه يظهر بوضوح أننا قد نسينا عواقب آخر انتشار لنا في هذا البلد.”
من الناحية التاريخية كان التواجد العسكري الأميركي في السعودية، التي تحتضن اقدس مدينتين في العالم الاسلامي وهما مكّة والمدينة، مثار جدل ليس بين معتنقي عقيدة الاسلام الثوري الشيعي التي تعتنقها إيران فقط بل ايضاً بين خصومها الايديولوجيين المعتنقين للاسلام السني بنسخته الجهادية. يشار دائماً الى أن نشر “البنتاغون” قواته هناك كان هو الحافز للمتشددين الذين نفذوا تفجير السفارة الأميركية في كينيا في 1998 وهجمات 11 أيلول في أميركا نفسها في العام 2001.
لقد دأب ترامب مراراً على انتقاد من سبقوه على جميع الحروب التي اعقبت 11 أيلول وكلفت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 6 ترليونات دولار، ولكنه اليوم يجد نفسه على مسار حرب محتملة سيشنها هو دون سواه. رغم توجهات الرئيس المعارضة للتدخل فإنه يتلقى حثاً قوياً من قبل صقور مثل مستشاره للأمن القومي “جون بولتون”، الذي كان له دور اساسي في دفع الولايات المتحدة باتجاه الحرب مع العراق، ووزير خارجيته “مايك بومبيو”.
يقول “سينا آزودي”، وهو خبير في الشؤون الامنية من مؤسسة “غالف ستيت أناليتكس” ان ترامب حتى لو اراد الاكتفاء بتوجيه “ضربة محدودة” الى إيران فإن الإيرانيين قد يجدون في الأمر دافعاً جدياً للرد لإعطاء الانطباع بأنهم يمتلكون القوة، وهذا قد يتوسع حتى ينقلب الى صراع متكامل الابعاد.”
يقول آزودي: “ارسال مزيد من الجنود الى السعودية قد يشكل رادعاً معتمداً لضمان عدم استمرار الأمور في التصاعد كما هي الان، بيد أن مكمن المشكلة هو أن القوات البرية قد تكون عديمة الجدوى إذا كانت الولايات المتحدة لا تفكر فعلياً في القيام بغزو بري، وهذا باعتقادي خطأ ستراتيجي فادح من جانب الولايات المتحدة.” يمضي آزودي قائلا: “اعتقد أن ارسال الجنود يمكن أن يشكل رادعا فعالا، ولكن حسابات طهران قد اوصلتها حسب توقعي الى نتيجة مفادها أن واشنطن لا ترغب في استخدام القوة (ولا الايرانيين ايضاً). لقد كانت إيران تاريخياً تعتبر الخليج باحتها الخلفية وشريان الحياة لاقتصادها، كما ترى في تواجد القوات الاجنبية تهديداً لأمنها.”
بريطانيا، شأنها شأن الاطراف الاخرى في صفقة 2015 النووية المعروفة رسميا باسم “خطة العمل المشتركة الشاملة” ومختصرها “جاكوبا”، مستمرة في تأييدها للصفقة، ولكنها أيضاً صعدت دورها ضمن حملة ادارة ترامب المعروفة باسم “الضغط الاقصى” حين احتجزت ناقلة النفط الايرانية “غريس1” في وقت سابق من الشهر الماضي في مضيق جبل طارق بعد اتهامها بانتهاك عقوبات الاتحاد الاوروبي ونقلها النفط الى سوريا. بعد اسبوع من ذلك تقريباً احتجزت إيران ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني بعد اتهامها بانتهاك قواعد الابحار في مضيق هرمز، وهي خطوة ينظر اليها على نطاق واسع بأنها كانت من قبيل الرد بالمثل.
ردت بريطانيا بأن تحدثت عن ضرورة رفع حضورها في منطقة الخليج، وهذا في نظر المسؤولين الايرانيين استرجاع لذكريات القوى الاستعمارية التي كانت مهيمنة على المنطقة ذات يوم.
يقول آزودي: “على مدى قرون كانت البحرية البريطانية تجوب الخليج وتقصف المدن الإيرانية، وفي مطلع الخمسينيات فرضت الحصار على جزيرة خرج الإيرانية وصادرت شحنات النفط الإيراني. ولكن هذه هي المرة الأولى على الاطلاق التي تقوم فيها القوات الإيرانية بالصعود الى سفينة بريطانية اثناء ابحارها تحت حراسة البحرية الملكية، والصور التي بثت عن صعود افراد القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني الى السفينة تشبه الى حد بعيد الصور التي بثها البريطانيون عن احتجازهم الناقلة الإيرانية. الرسالة واضحة: إذا ما فعلتم هذا فنحن قادرون ايضاً لأننا نمتلك القوة وعليكم ألا تتجاهلوا وجودنا.”
خلال الحرب بين إيران والعراق في الثمانينيات، ذلك الصراع الذي ساندت فيه واشنطن ومعظم القوى العالمية الكبرى العراق، كانت القوات الاميركية تقوم بأعمال الدورية في الخليج بشكل منتظم. شهدت تلك الفترة عدة مواجهات دموية مع القوات الدولية لعل اسوأها اسقاط الولايات المتحدة طائرة المسافرين الإيرانية “الرحلة 655” بعد أن حسبتها، كما تقول التقارير، طائرة “أف 14” في حالة هجوم. قتل في ذلك الحادث 290 مدنياً وكان التاريخ تموز 1989.
اليوم، كما يقول آزودي، تنظر إيران الى تشكل التحالف البحري الدولي وتدرس سلبياته وايجابياته. فهي تراه سيئاً من ناحية لأنه يمثل عودة القوى البحرية الاجنبية الى باحتها الخلفية، ولكنها من ناحية ثانية ترى فيه جانباً حسناً لأنه يثبت أن القوة التي تمتلكها قد بلغت حداً جعل القوى الكبرى في العالم تتحرك للرد على استفزازاتها، مؤكدة في الوقت نفسه على أن إيران قد تتصرف على نحو استفزازي ولكنه ليس انتحارياً.
يمضي آزودي مضيفاً: “حين أنظر الى سلوك إيران أميل الى الاعتقاد بأن ما تطالب به هذه الدولة هو الاحترام واعتراف القوى الكبرى بها، لاسيما الولايات المتحدة وبريطانيا، كقوة اقليمية لا سبيل الى تجاهلها او ابقائها خارج حسابات المنطقة.” عدا هذا يعتقد آزودي أن أبواب الدبلوماسية سوف توصد وتهيمن على المشهد حسابات “المحصلة صفر” والخوف من الاخرين في مناخ اقليمي يمثله بالمسار الذي مضت عليه أوروبا في 1914 وانتهى بها الى الحرب العالمية الأولى.
إذا ما تركنا جانباً الاتصالات المحتملة عبر قنوات خلفية فإن المواقف الحالية المعلنة لواشنطن وطهران ليست متوافقة. فالولايات المتحدة تطالب إيران بالتخلي أولا عن دعمها المفترض للجماعات المتشددة في عموم المنطقة، كما تتخلى عن تطوير صواريخها البالستية، في حين يطالب المسؤولون الإيرانيون الولايات المتحدة برفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها أولا. يحذر غوريشي من أن هذا الطريق المسدود يجعل ادارة ترامب ترفع احتمالات وقوع العنف في المنطقة.
قال غوريشي في حديث مع مجلة نيوزويك: “من خلال اعادة فتح الموضوع النووي مع إيران، وتهديدها بشتى التهديدات وتوسيع الحضور العسكري، ترفع الادارة الاميركية بصورة متصاعدة احتمالات وقوع حادثة في الخليج، أو في اسوأ الأحوال اندلاع حرب يكون ثمنها ألوف الارواح وهدر ترليونات الدولارات التي تنفق منذ الان في سياسات ضلت سبيلها في المنطقة، وما من تعليل ستراتيجي يبرر تكرار الاخطاء نفسها من جديد.”
لأجل تحاشي الوقوع في نتائج مماثلة لما اسفر عنه المسار نحو حرب عالمية يخلص غوريشي الى الرأي الآتي: “بدلا من التعاطي مع إيران بعقلية تضع الحل العسكري في مقدمة الحلول ينبغي على ادارة ترامب ان تلجأ الى الدبلوماسية لخفض التوترات .. وتكون نقطة البداية هي العودة الى خطة العمل المشتركة الشاملة، ومن هذه الفسحة الدبلوماسية يمكن التحرك للتوسع في المحادثات.” وهو يدعو الولايات المتحدة الى تبني حوار أوسع يجمع بين إيران ومجلس التحالف الخليجي الذي تتزعمه السعودية وحلفاؤها.”
يخلص غوريشي الى القول: “يجب أن يكون الهدف النهائي هو جمع إيران مع خصومها في مجلس التعاون الخليجي من اجل انشاء اطار أمني اقليمي يمنح الولايات المتحدة الفرصة للكف عن تقمص دور الضامن الأمني في منطقة تبقى مبررات صلتها بالولايات المتحدة مثار تساؤل كما كانت أبداً.”
صورتان مجتمعتان يظهر فيها (الى اليسار) الحرس الثوري الإيراني بزوارقه السريعة في ميناء بندر عباس بتاريخ 2 تموز 2012 و(الى اليمين) سفينة الهجوم البرمائية «يو أس أس بوكسر» وهي تجتاز البحر الشرقي خلال مناورات اجريت في 7 آذار 2016. زعم الرئيس «دونالد ترامب» أن هذه السفينة قد اسقطت طائرة إيرانية بدون طيار بعد مضي شهر على اسقاط الحرس الثوري الايراني طائرة أميركية بلا طيار في منطقة الخليج.
*عن مجلة نيوزويك