مع ارتفاع درجات الحرارة في موسم الصيف وكذلك بالمناسبات والأعياد التي يحصل فيها الفرد على عطلة طويلة قد تستغرق عدة أيام، يلجأ البعض لاستثمارها بالسفر من أجل تغيير الأجواء وأخذ قسط من الراحة والاستجمام في بلدٍ آخر أو مدينة أخرى في بلده بعيداً عن محيطه الموجود به، محاولاً كسر روتين الحياة والعمل والسعي للخلاص والتحرر منه بإجازة مؤقتة، وبالتأكيد لن يستطيع أنْ يذهب بمفرده لأنه سيصاب بالملل حتماً، فيحتاج أنْ يختار أحد أفراد عائلته أو أحد أصدقائه لمشاركته في تلك
الرحلة.
وقد يواجه مشكلة في انتقاء الرفيق المناسب له لأنَّ ذلك الأمر صعبٌ جداً ويتطلب شروطاً معينة يضعها هو في حساباته منذ البداية، إذ يحرص على أنْ تتوافق أفكاره معه ويحمل الميول والاهتمامات ذاتها ويمتلك روحاً رياضيَّة تدفعه للاستمتاع بالرحلة من خلال تجاوز مختلف المنغصات والعقبات التي قد تصادفهم في جولتهم، لذا غالباً ما يكون السفر طريقة اختبار حقيقيَّة تكشف طبيعة معدن الناس الذين نجتمع بهم خلالها عن قرب، فتخرج الحسنات والعيوب وتطفو على السطح بعد المعاملة المباشرة معهم، فاذا حدثت فيها بعض الاختلافات في الآراء ووجهات النظر والتباين بالخيارات، سيخلف ذلك زعلاً وعدم رضا، حينها تتحول السفرة من نعمة الى نقمة وربما يقرر المسافر بعد العودة ألا يكرر الاختيار نفسه في الرحلات المقبلة مستقبلاً، لأنه لم يحقق الانسجام الذي كان يطمح ويخطط إليه.
وتلك واحدة من أهم فوائد السفر التي يحددها الكثير من الحكماء وأصحاب الخبرة بذلك المجال، وهي انك لا يمكن أنْ تبصرَ دواخل الناس إلا بعد معاشرتهم والاختلاط بهم في السفر، لكن ليس ذلك هو المهم بالنسبة لنا أحياناً بقدر وحجم أهمية أنْ نرى ذاتنا نحن، وردة فعلنا تجاه هكذا نوع من البشر وما يمر بنا من أحداث مفاجئة وغير متوقعة لنا هناك، فالمثل يقول (أنت تتعرف في البيت على العالم، وفي السفر على نفسك).
إذ إنَّ السفر مرآتك التي تشاهد بها نفسك عن كثب فهي تعكس أخلاقك وصفاتك من خلال سلوكياتك وطريقة قضاء وقتك فيه، لا سيما أنها تمنحك مساحة واسعة من الحرية المطلقة من دون مراقبة من المحيطين بك، وبعيداً عن أنظار المقربين من أهلك وأصدقائك، فلا تكبلك أي قيود أو حواجز، وبأسلوب عيشك خلالها تستطيع أنْ تشخص نفسك وتقيمها وتدرس ميولها وتخلق عالمك الخاص بها، فالسفر يعطيك فرصة ثمينة للتعرف عليها مجدداً وبصورة مختلفة أعمق وأصدق، فيظهر بها وجهك بملامحه المجهولة حتى بالنسبة إليك والمغايرة عما كنت تبدو عليه في عملك أو بيتك، وكذلك فإنَّك وبحسب شخصيتك يمكن أنْ تكتسب عادات جديدة تصبح بتكرار السفر جزءاً منك، تتطبع بها ولا تستطيع أنْ تتخلى عنها بسهولة سواء كانت إيجابيَّة أو سلبيَّة، فالسفر اختبارٌ فعليٌّ
للنفوس.