الحاجة الى وتسفاليا جديدة

آراء 2019/08/06
...

علي حسن الفواز
 
لم تعد الأمور سهلة ومتاحة بين  خيارات الحرب والسلام في منطقتنا، حيث باتت تلك الخيارات القلقة والملتبسة، وكأنها رهان على تغيير معادلات القوة والسيطرة، وحتى فرض الارادات، وهذا مايعني فتح الأفق واسعا للصراع بمعناه كحربٍ باردة، أو كعتبة لحرب ساخنة قد تذهب بالمنطقة الى الجحيم.
لعبة الاجندات، وتضخم الاوهام، والرهان على تدخل القوى الكبرى قد يكون نزوعا لصناعة صراعات اقليمية دائمة، لاسيما أن تلك الاجندات تتكئ على عصبويات طائفية وعرقية، وهو مايدفع الى تفجّرها، والى تحوّلها الى(ديناصورات) صغيرة، لكنها متوحشة، ومهددة للأمن الاجتماعي، والاستقرار السياسي، والمصالح القومية والدولية.
التصعيد الاسرائيلي العسكري ضد سوريا، مع صمتٍ روسي غامض، وتعقد عملية الحرب والسلام في اليمن، وتدهور الواقع السياسي في السودان، كلها علامات قد تضع خيارات الحرب والسلام في سياق اشكالي، وعند تدخلات دولية لا تعنيها سوى مصالحها، ونظرتها المتعالية لهموم الشعوب ومعاناتها، فمع تأزم وضع اللاجئين في سوريا، وعدم حسم ملفهم الانساني والسياسي، تتكشف طبيعة التوجهات الدولية، ونظرتها لمثل هذه الملف، فضلا عن ملفات أخرى أكثر رعبا، والتي تخصّ ترتيب(البيوت السياسية) لبلدان عربية مثل لبنان وليبيا وتونس، والتي تعاني من مشكلات اقتصادية وسياسية معقدة، وكأنّ المصالح الدولية توظف هذه الملفات لخدمتها، والتي ستعني مزيدا من التأزم والصراع بين دول المنطقة، أو بين جماعاتها السياسية والمكوناتية، أو تحويلها الى بؤر مشتعلة لصناعة الرعب.
 
لا خيار سوى السلام
الرهان على الحل الامريكي، أو الحل الروسي يضع الجميع تحت طائلة حساب المصالح والهيمنات، فبقدر ما يكشف هذا الرهان عن أوهام للنصر او للهزيمة، فإن البحث عن السلام يحتاج الى كثير من الواقعية والعقلانية، وفي سياق مراعاة مصالح الدول جميعا، فالمنطقة ليست بعيدة عن تلك المصالح، ولا عن معطياتها وحساباتها، لكن هذا السلام بوصفه الأمني أو السياسي سيكون هو الأفق والوعد الذي ينبغي أن يراهن عليه الجميع.
ماذا يحدث بعد الانتصار أو الهزيمة؟ سؤال لا يمكن الحدس بالإجابة الواقعية عنه، لأن المهزوم لن يقبل بهزيمته، وسيبحث عن وجه آخر لحرب (داحس والغبراء) في نزعتها الثأرية والعصابية، والمنتصر لن يكتفي بعطايا نصره العسكري، إذ سيؤسس على هذا النصر أوهاما أخرى لانتصارات سياسية وجغرافية ولمصالح تدخل في اطار صناعة (استعمارات صغيرة) في المنطقة.
من هنا ندرك أهمية السلام كخيار (وتسفالي) وعلى وفق أسس ومعايير المعاهدة التي انهت حرب الثلاثين سنة في اوروبا في القرن السابع عشر، والتي انبثقت عنها قواعد للسلم العالمي، ولتداول مفاهيم لسيادة الدول الحديثة، ولنشوء قيم الدبلوماسية والحوارات، وضبط الأطر الحاكمة للمصالح والسياسات وللحروب ايضا.
الحاجة الى (وتسفاليا) جديدة في المنطقة ضرورة تحتاج الى انضاج، والى حوار عميق، والى رؤية مسؤولة، والى جدّية سياسية وأمنية واقتصادية، وحتى سيادية، وواقعية بالنظر الى مصالح الدول المتورطة بحروبها الداخلية والخارجية، والى مصالح الدول الكبرى التي تنظر الى المنطقة من زوايا ستراتيجية، ومن حسابات تدخل فيها الجغرافيا والنفط عاملان مهمان للهيمنة ولصناعة القوة، مثلما يدخل فيها عامل الأمن السياسي والثقافي في سياق تأطير معطياتها، لأنّ تداعيات هذا الأمن، وفي مرحلة نشوء وتضخم الجماعات الاصولية والارهابية كالقاعدة وداعش، باتت تشكّل أخطارا جمّة على أمن الدول جميعا، وبقطع النظر عن طبيعة نظرة الدول الكبرى لمفهوم هذا الأمن، ولدورها الغامض في نشوء وتمدد وتسليح الجماعات الارهابية، فإن تداعيات اخطار هذا الأمن تفترض المراجعة، والمقاربة السياسية والأمنية الواقعية، والبعيدة عن عقد وحساسيات(الحروب الناعمة) والتي كثيرا ما تتحول الى(حروب خشنة) تكون فيها الجماعات الارهابية أدوات لوجستية واعلامية، وحرائق يتم توظيفها في صناعة الازمات، وفي مسارات اللعبة الملتبسة للانتصار والهزيمة.
إن عجز الدول الكبرى عن حسم ملف الارهاب في المنطقة، وارتباك الدول الصغرى من تحمل تداعيات هذا الملف يُلقي بظلاله على نشوء وقائع مشوهة، وسياسات مرتبكة وطائشة، وخرابات ستمسّ غلوائها جميع الدول التي تسهم في تغذية الارهاب وتسليحه، واحسب أنّ مايجري اليوم يكشف عن هذه الحقيقة الفاضحة، حيث يتحول النصر الى لعبة بالدم، وتتحول الهزيمة الى عقدة تاريخية وثأرية لحروب لا تنتهي.