المنظور الهندي وواقع مستقبل كشمير

قضايا عربية ودولية 2019/08/07
...

إندراجيت روي ترجمة / انيس الصفار                                          
 
 
في معالجة ظاهرية لمعضلة كشمير، ألغت الحكومة الهندية الفقرة 370 من دستورها، وهي الفقرة التي منحت تلك الولاية وضعاً خاصاً بها منذ ضمها الى الهند في العام 1947. جاء الالغاء تنفيذاً للوعد الذي قطعه الحزب الحاكم “بهراتيا جاناتا” في حملته خلال الانتخابات الأخيرة التي حقق فيها فوزاً حاسماً.
 
يزعم مؤيدو القرار أن الإلغاء سوف يتيح لهذه الولاية المضطربة الاندماج مع الهند ويقضي على الميول الانفصالية التي ابتليت بها المنطقة.
أما المنتقدون فيجادلون بأن الإلغاء يهدد نسيج الدستور نفسه ويكشف عمق العداء الذي يضمره حزب “بهراتيا جاناتا” للبنية الفدرالية الهندية. يمضي هؤلاء في حجتهم فيقولون ان الغاء الوضع الخاص الذي تتمتع به كشمير لن يحل لغز الولاية المستعصي وأن كل ما سيحققه بدلا من ذلك هو تعميق عزلة المنطقة عن سائر مناطق الهند.
في الواقع أن حكومة حزب “بهراتيا جاناتا”، من خلال إلغائها الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير، قد استثارت عش دبابير بدون مبرر، إذ من المحتمل أن يقوض هذا الاجراء كل ادعاءات الهند بشأن كشمير ويستفز مشاعر الغضب لدى الكشميريين ويقدح شرارة توترات جديدة في منطقة مضطربة أساساً.
الغاء الفقرة 370 من الدستور لم يكن تصرفاً سياسياً نابعاً من حنكة، بل هو أقرب الى الاندفاع الأعمى عبر باب مشرع. فرغم الوعود التي أعطيت لولاية جامو وكشمير حين ضمها عملت الحكومات المتعاقبة منذ 1947 بشكل ثابت، وإن يكن تدريجيا، على اضعاف الوضع الخاص الذي منح للولاية. فهذه الفقرة، وفق صيغتها الأصلية، تمنح الولاية حكماً ذاتياً كاملاً باستثناء جوانب الدفاع والشؤون الخارجية والعملة. ولكن نيودلهي واصلت نخر الحكم الذاتي شيئاً فشيئاً في مؤسسات الولاية الى أن بلغ الأمر حد التدخل الصارخ بالعملية السياسية وتزوير الانتخابات لصالح السياسيين المتحالفين معها.
اعتقال السياسيين المنتخبين في ظل حكومة “نارندرا مودي” فيه شبه يثير القشعريرة بالاعتقالات المتكررة التي كان يتعرض لها السياسيون في فترة حكم نهرو و”انديرا غاندي”، وهو نمط صار الكشميريون قادرون على تمييزه بسهولة. الوضع الخاص الممنوح للولاية لم يمنع الحكومات المتعاقبة في نيودلهي يوماً من التدخل كيفما تشاء، والغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير يعيد الى الحياة ذلك الاتفاق السياسي الذي كان يخضع بشكل ثابت لإفراغه من محتواه.
رغم هذا كله كانت الفقرة 370 توفر الاساس القانوني لادعاء الهند بأن ولاية جامو وكشمير جزء من اراضيها، والتصدي بنجاح لادعاءات جارتها باكستان (التي تدعي، مثل الهند، عائدية الولاية اليها بالكامل وتحتل جزءاً منها) ووصفها بأنها تحتل الإقليم بصورة غير شرعية. كانت الفقرة المذكورة تتيح للسياسيين الكشميريين فرصة العمل وفق الاطار الديمقراطي للهند ورفض نظرية الدولتين التاريخية، الضعيفة السند، التي اتخذت أساساً للتقسيم المؤلم الذي شهدته الهند بزعم أن الهندوس والمسلمين أمتان منفصلتان. حين شطب حزب “بهراتيا جاناتا” الفقرة 370 قوض الاساس الدستوري لضم جامو وكشمير الى الهند، وإنها لمفارقة قاسية أن يجري هذا كله تحت شعار توحيد الأمة.
من المحتمل أن يثير الغاء الفقرة 370 في المنطقة مزيداً من مشاعر العداء ضد الهند. فالقانون الجديد يعلن أن جامو وكشمير ارض اتحادية، وبصفتها ارضاً اتحادية سيكون من المرجح إدارتها من قبل نيودلهي مباشرة، وأن السلطات التي يمارسها مشرعوها ستكون أقل من الولايات الهندية الاخرى. هذا التحول سيضع سكان جامو وكشمير وجهاً لوجه مع الحكومة الهندية ويزيح الحاجز الفاصل المتمثل بسياسيي الولاية المتنافسين في ما بينهم لنيل منصب سياسي. بل من الممكن أيضاً أن تدفع خيبة الأمل الكشميريين الى ابداء ردود فعل ازاء ما ينظر اليه عادة على انه جيش احتلال. كذلك من المحتمل أن نشهد مزيداً من تراكمات العنف والمعاناة الانسانية التي سبق أن عانت منها شعوب عديدة في المنطقة منذ 1989.
من المتوقع ايضاً أن تزداد العلاقات بين الهند وباكستان تأزماً، ومن المعروف أن الجارتين النوويتين قد خاضتا ثلاثة حروب في الماضي بسبب هذه المنطقة منذ الاستقلال في 1947. تطعن باكستان في ادعاءات الهند بخصوص كشمير، وثمة احتمال اليوم أن تكثف باكستان اجراءاتها الدبلوماسية وشبه العسكرية لزعزعة تلك الادعاءات وتصعيد حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
قد يتكشف الان أن النصر التشريعي الذي احرزه حزب “بهراتيا جاناتا” قد تحقق بثمن أعظم مما يستحق. 
 
*عن صحيفة الإندبندنت