عبدالله الجيزاني
منذ انطلاق العملية السياسية وبدئ سريان الدستور الدائم في العراق، اصطبغت العملية السياسية بسمة بارزة وهي التوافقية والمشاركة في جميع مؤسسات الدولة.
بعد كل انتخابات تجلس الكتل السياسية بأجمعها، لتقوم بتحديد الرئاسات بطريقة التراضي والمساومات، بعدها ينطلق توزيع الوزارات تارة وفق النقاط واخرى بالتساوم والتبادل، هذا الحال ادى لتخلي الكتل السياسية بعد التصويت على الحكومة عن مسؤوليتها ومشاركتها في الحكومة.
يتبع ذلك تخلي رئيس الحكومة عن الكتلة التي رجحت كفته لتولي المسؤولية، ليكتفي بكتلة او حزب واحد، بالمقابل تحمله الكتل المشتركة معه كامل المسؤولية عن الفشل والفساد!
عام ٢٠٠٦ وفي أول حكومة بعد الاتفاق وتقاسم مناصب الرئاسات والمواقع الحكومية؛ انسحبت جبهة التوافق والصدريون من الحكومة للضغط على رئيس الحكومة لغرض اعفاء اتباعهم ممن تم اعتقالهم.. ثم عام ٢٠١٠ وبعد ان تشكلت الحكومة باتفاق جميع الكتل السياسية عدا المجلس الاعلى في حينها، عادت هذه الكتل التي شكلت الحكومة لتجلس في نفس المكان الذي اتفقت فيه على تشكيل الحكومة لتدعو لسحب الثقة عنها، وعندما لم تتمكن من ذلك تحولت الى معارضة معرقلة فوضوية للدولة لا الحكومة فكانت النتيجة؛ احتلال ثلثي البلد.
عام ٢٠١٤ اعيدت الكرة وتم تشكيل الحكومة، وبعدها مباشر بدأت كتلة الاحرار معارضتها من خلال التظاهرات التي دخلت الى مركز الدولة في المنطقة الخضراء، وهكذا تمضي الدورة بالمساومات والصفقات والتراضي، من دون اي انجاز ملموس يمكن ان يشعل بارقة امل لدى المواطن الذي مل هذه الممارسة كونها لم تثمر عن اي انجاز.
اليوم بعد ان اتفق تحالفا سائرون والفتح على تشكيل الحكومة، بعد تصويت مجلس النواب عليها؛ بدأنا نسمع اصوات الانتقاد ضد الاداء الحكومي تمهيدا لإعادة الكرة وعلى نفس منوال السنوات السابقة.. حتى خرج تيار الحكمة الوطني عن المعهود واعلن تبنيه المعارضة السياسية الدستورية الوطنية البناءة.. ثم اعلن السيد العبادي تبنيه المعارضة التقويمية، بغض النظر عن النتائج المتوقعة للمعارضة.
نعتقد انها خطوة في الاتجاه الصحيح وخروج عن نص طالما حفظه الجمهور فضلا عن النخب السياسية والاعلامية، الامر الذي يفتح بابا جديدا يمكن في حالة تمكين المعارضة ان يقضي بشكل كامل على الصفقات والمساومات، ويعطي للمواطن خيارا واضحا بعد ان فقد القدرة على التمييز فالكل حاكم والكل معارض والكل يلقي المسؤولية في ساحة الكل.
ان المواطن العراقي الذي يتطلع لبناء دولة عصرية قادرة على تلبية طموحاته؛ يحتاج الى توعية وتعريف يقع على مسؤولية النخب الاعلامية والسياسية في ترسيخ مفهوم المعارضة وتفكيك خطواتها وتشخيص حلولها، بالمقابل التأشير على خلل الحكومة وفريقها” المولاة” ليتمكن المواطن من التمييز ويحسن الاختيار في المراحل المقبلة والدورات الانتخابية القادمة، بعيدا عن التحزب السياسي او الطائفي او العشائري.
اي تخلي للنخب عن هذا الدور، سوف يضعها امام مسؤولية تاريخية في التفريط بفرصة كبيرة لبناء الدولة الحلم، التي تعايش وترافق الانسان العراقي منذ تأسيس
الدولة العراقية.