غموض اتفاق المنطقة الآمنة يخلف أسئلة مفتوحة

قضايا عربية ودولية 2019/08/19
...


اسطنبول / فراس سعدون
 
لا يزال الغموض يخيم على الاتفاق التركي الأميركي لإنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، منذ إعلانه في ختام اجتماعات عقدها عسكريون أتراك وأميركان في مقر وزارة الدفاع التركية بأنقرة، بين الخامس والسابع من آب الحالي.
وتضمن الاتفاق، بحسب بيانين لوزارة الدفاع التركية والسفارة الأميركية في أنقرة، 3 نقاط هي اتخاذ خطوات تهدف لمعالجة المخاوف الأمنية التركية، وإنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا لإدارة المنطقة الآمنة وتنسيق جهودها، والعمل على تسهيل عودة عدد كبير من السوريين الموجودين في الأراضي التركية إلى المنطقة المستهدفة.

وحقق الجانبان تقدما على مستوى النقطة الثانية إذ أعلن خلوصي آكار، وزير الدفاع التركي، أن مركز العمليات المشتركة سيبدأ أعماله في غضون أيام، عبر مقر بولاية شانلي أورفا الحدودية مع المناطق السورية الخاضعة لسيطرة التنظيمات المسلحة الكردية المعادية لأنقرة.
وطالب مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، بتأطير تفاصيل الاتفاق، متحدثا عن ضرورة تحديد عمق المنطقة الآمنة، وإخراج حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة، ووقف تسليحها أميركيا، وسحب أسلحتها الثقيلة.
وأثار غياب التفاصيل، حتى الآن، أسئلة كثيرة في الأوساط التركية المختلفة تناولها كتاب أتراك في صحف متعددة.
 
ما هي ولمن هذه المنطقة الآمنة؟
اختار نهاد علي أوزجان، الكاتب في صحيفة حريت ديلي نيوز التركية، هذا السؤال عنوانا لمقال ذكر فيه أن الفريق ستيفن تويتي، نائب قائد القوات الأميركية في أوروبا، زار أنقرة وشانلي أورفا واطلع على تحضيرات افتتاح مركز عمليات المنطقة الآمنة، مع أن القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) هي المسؤولة عن شؤون الشرق الأوسط وملف التنظيمات الكردية في سوريا، وليس قيادة أوروبا.
وكتب أوزجان وهو متخصص في شؤون الحركات الإرهابية “يبدو أن القيادة الأميركية في أوروبا ستشرف على تركيا، بينما تشرف القيادة المركزية الأميركية على قوات سوريا الديموقراطية / قوات الاتحاد الديموقراطي”.
ويرى الكاتب أن “هناك نتيجتين بارزتين للخطوات التي اتخذتها أنقرة وواشنطن”. ويفصّل “من ناحية هناك الدبلوماسية العامة التي تخلق صورة أن كل شيء على ما يرام، وتم حل الأزمة، ومن ناحية أخرى هناك مناورات عسكرية ودبلوماسية وسياسية من كلا الجانبين لتحقيق وتحويل أهدافهما السياسية العلنية والسرية”.
ويجد الكاتب المتخرج من الأكاديمية العسكرية التركية أن “المشكلة الأكبر بالنسبة للأطراف المعنية هي توقعات المنطقة الآمنة، وسياقها، وما الأنشطة التي يمكن توفيرها”. 
ويستنتج “في ظل هذه الظروف لن يتم توفير المنطقة الآمنة عبر القيام بدوريات للعربات المدرعة، أو إنشاء نقاط مراقبة، أو جمع البيانات باستخدام طائرات بدون طيار”، مستخلصا “لا يمكن توفير أمن، أو لا يمكن إنشاء منطقة آمنة حتى تلمس أقدام الجنود الأرض، أو تؤسس شبكة سياسية يعتقد سكان المنطقة أن شرعيتها قد تشكلت، أو يتم تشكيل نظام عام فعال”.
 
لماذا تصر تركيا على عمق 35 كم؟
وضع تونجا بنغين، الكاتب في صحيفة ميلليت التركية، هذا السؤال عنوانا لمقال كتب في مستهله “بطبيعة الحال هناك العديد من علامات الاستفهام في الأذهان، لأنه لم يتضح بعد أين ستكون المنطقة الآمنة على الخط الحدودي؟ وكم سيكون عمقها؟ وبيد من ستكون السيطرة على المنطقة؟ وكيف؟”.
وذكر بنغين أن “الأمر الملموس الوحيد الذي نعرفه هو أن تركيا تصر على أن تكون المنطقة بعرض 460 كم، وعمق 30-35 كم، وفي المقابل تقترح الولايات المتحدة منطقة بعرض 140 كم وعمق 10 - 15 كم”.
ونقل الكاتب عن مسؤول عسكري رفيع، سأله عن إصرار أنقرة على عمق معين للمنطقة الآمنة، جوابه “إذا بلغ عمق المنطقة الآمنة 30-35 كم فإنها ستشمل كلا من عين عيسى جنوب تل أبيض، وتل تمر جنوب غرب رأس العين، وهما نقطتا التقاء الطرق القادمة من العراق ومنبج وحلب والجنوب، ولهذا تتمتعان بأهمية ستراتيجية من الناحية العسكرية، وإذا كان عمق المنطقة الآمنة 10 - 15 كم فلا يمكن السيطرة على أي منهما، كما أن هذا العمق يجعل تركيا في متناول بعض أسلحة وحدات حماية الشعب، ويسمح للوحدات أن تكون جارة لتركيا”. ووجه بنغين وهو متخصص في الدراسات الصحفية العليا سؤالا آخر للمسؤول العسكري مفاده “ألا يمكن اعتبار منطقة بعمق 10 - 15 كم مكسبا؟”، فجاءه الجواب “على الإطلاق. سيستمر وجود وحدات حماية الشعب في شرقها وغربها، وقد تسيّر تركيا دوريات مع الولايات المتحدة، لكن هذا لا يحقق الهدف الأساسي، بمعنى أن العصابات الإرهابية لن تصبح خارج اللعبة، بل إن تركيا ستكون في هذه الحالة وفرت للعصابات نوعا من الحماية”.
ويخلص إلى أن “المنطقة التي اقترحتها الولايات المتحدة هي فخ بالنسبة لتركيا”.
 
المنطقة الآمنة.. ماذا عن الخطة 
التركية البديلة؟
عنون أمين بازارجي، الكاتب في صحيفة أكشام التركية، مقالا له بالسؤال أعلاه، ثم سأل “هل تفي الولايات المتحدة بوعودها”؟، وأجاب “هناك شبهات قوية بهذا الخصوص، لأن الأميركيين يملكون سجلا حافلا بالسوابق، وموقفهم في منبج معروف، إذ قدموا الوعود مرارا غير أنهم لم يقدموا على خطوات إيجابية”.
ومضى على إعلان أنقرة اتفاقها مع واشنطن على تنفيذ اتفاق خريطة طريق منبج المماثل لاتفاق المنطقة الآمنة أكثر من عام من دون أن ينفذ الاتفاق. وكانت تركيا تريد أن تحقق في منبج الواقعة غرب الفرات ما تريد تحقيقه في مناطق شرق الفرات.
ويعلق بازارجي، وهو ممثل صحيفة أكشام في العاصة أنقرة، على الاتفاق الأخير “صحيح أن هناك اتفاقا، لكن تركيا لا تقول إن الأمر تم، كما أنها تحذر الولايات المتحدة باستمرار كي تفي بتعهداتها”. 
ويتفق بازارجي مع بنغين بأن تركيا تريد عمقا كبيرا للمنطقة الآمنة، مفسرا هذه الإرادة بأن “الأمر المهم هو الطريق البري M4 الذي ترسل الولايات المتحدة عبره الأسلحة إلى تنظيم وحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، فهو يبقى خارج عمق 15 كم (الذي تريده الولايات المتحدة للمنطقة الآمنة)، ويحصل التنظيم في تل رفعت على تعزيزات عبره، أما تركيا فتريد السيطرة عليه وقطع الشريان المغذي للعصابات الارهابية”.
ويفصّل الكاتب “بعبارة أوضح لا تشمل منطقة بعمق 15 كم بلدات عين عيسى وسيرين وسلوك، التي حشدت فيها وحدات حماية الشعب قوات وأسلحة، وإذا أضفنا إليها وجود الوحدات في منبج فإن موقف الولايات المتحدة لا يزيل مخاوفنا”.
ويعبر المسؤولون الأتراك عن استيائهم من مواصلة الأميركان تسليح التنظيمات الكردية، بالتزامن مع نشر وسائل إعلام تركية صورا لقوات من الوحدات والعمال تتدرب بزي نظامي، يوم عرفة الماضي، في معسكر داخل محافظة دير الزور شمال شرق سوريا.
ويستنتج الكاتب “أبرمنا اتفاقا حصلنا فيه على وعد من الأميركان فقط، وعززنا موقفنا، لكننا لا نعقد عليه آمالا عريضة، ولهذا نتحدث عن الخطة “باء” والخطة “جيم” إن لم تسر أمور الاتفاق على ما يرام”.
وكان وزير الدفاع التركي صرّح “نريد أن تستمر هذه الأنشطة (الخاصة بالمنطقة الآمنة) مع الأميركان بأي شكل من الأشكال لنكون قادرين على المضي معا”، منوها بأن خلاف ذلك، وكما قال الرئيس رجب طيب إردوغان مرارا “لدى أنقرة خطة باء وخطة جيم” من دون أن يذكر تفاصيل
 الخطتين.
ويعلق بازارجي على هذا التصريح “في الواقع هناك خطة واحدة لدى تركيا، وهي القضاء على (الكيان الإرهابي) في سوريا لضمان أمننا ومصالحنا القومية مهما كان
الثمن”.