د. باسم محمد حبيب
أي مراقب لحركة الإعمار في العراق سيلاحظ بلا شك تباينا واسعا في مستوى الإعمار بين محافظات العراق ومناطقه المختلفة ، ففي حين يرتفع مستوى الإعمار بشكل واضح في محافظات أقليم كردستان في شمال العراق يأخذ هذا المستوى بالإنحدار كلما نزلنا جنوبا حتى يصل إلى أدنى معدلاته في المحافظات الجنوبية.
أننا إذ نتمنى أن يستمر أقليم كردستان في نهوضه الإعماري والخدماتي فإننا نتمنى أيضا أن تحذو بقية المحافظات حذوه وتسير بإتجاه الارتقاء بحركة الإعمار فيها كما ونوعا، إذ يبدو واضحا أن العديد من المحافظات في غرب العراق ووسطه أخذت تسير في هذا الإتجاه حتى بتنا نسمع كثيرا من الأخبار السارة عن نجاح أخوتنا هناك في تخطي حالة الخمول والسكون التي كانوا عليها في السابق والتي أفقدتهم الكثير من المشاريع المهمة التي لو نفذوها آنذاك لكان حالهم مختلفا جدا عن حالهم الآن، لكنهم أدركوا أخيرا أنهم كانوا على خطأ وأن الإعمار هو سبيلهم الوحيد للخروج من واقعهم المؤلم إلى آفاق تطورية رحبة، لذا عملوا على بذل كل جهد ممكن من أجل إعمار مناطقهم وجعلها في أفضل
حال.
ونتيجة لهذا الجهد الكبير بتنا نرى إنجازات كبيرة في مجال الإعمار من (بنى تحتية متطورة، طرق وجسور حديثة ، ملاعب دولية لكرة القدم، مستشفيات ذات إمكانات كبيرة مدارس، مولات وعمارات ضخمة، خدمات أفضل .. الخ).
وهي أمور تؤكد الجهد الكبير الذي بذل في مجال الإعمار وما خصص له من تخصيصات مالية ضخمة، إذ أدى هذا الحراك الإعماري الكبير إلى بروز حالة من التفاوت في إعمار المحافظات العراقية فباتت لدينا محافظات أكثر إعمارا وأخرى أقل، إذ تعد المحافظات الجنوبية أقل المحافظات في نسب الإعمار، ما يطرح تساؤلا حول الأسباب التي تقف وراء ذلك .فتختلف المحافظات الجنوبية عن غيرها من المحافظات في مجال الإعمار لابد أن يرتبط بأسباب معينة
، وهي أسباب لابد من كشفها ودراستها حتى نجد الحلول لها ، فهناك أسباب يمكن ربطها بالعامل السياسي كرغبة الحكومة في تغيير واقع المحافظات التي أبتليت بداعش منعا لعودة الإرهابيين إليها، كما يعد المجهود الإعماري الدولي والعربي من الأمور التي ساهمت في توسيع حركة الإعمار في هذه المحافظات وإعطائه أولوية ، لكن ليس هناك شك في أن هناك أمورا أخرى تتحكم بذلك أيضا منها البنية الثقافية للمجتمع في تلك المحافظات والتي تضع الإعمار في أعلى أولوياتها ، ما يؤثر في أداء وسلوك كل من المسؤول
والمواطن .
ولعل الرؤية التي تقول أن الإعمار في المحافظات الهادئة يمكن أن يؤجل هي من الأمور التي تتحكم بعقول بعض السياسيين وأقطاب الحكومة انطلاقا من الاعتقاد بإن استقرار الدولة يتطلب اهتماما أكبر بالمحافظات الساخنة حتى لا يجد الارهابيون فيها ملاذا آمنا، وهذه ربما أيضا نظرة بعض الدول التي دعمت إعمار العراق، وهي نظرة باتت - على ما يبدو - تشكل إطارا مرجعيا لتوجهات كثير من الدول ومجالا من مجالات انغماسها في الشأن العراقي، أما الأولويات في البنية الثقافية لهذه المحافظات فنلاحظ اختلافها عن المحافظات الأخرى من حيث أن تقييم المسؤول فيها لا يأخذ بعدا عمليا بدرجة كبيرة بل عشائريا أو دينيا أو حزبيا، وهذا ما ينعكس بأثره في جهد المسؤول وأدائه في
العمل.
لذا لابد ان ندرس هذه الأسباب لنعمل على تجاوزها ووضع الحلول لها فهذا هو سبيلنا للنهوض بإعمار
محافظاتنا.