يبدو واضحا أن الحرب الباردة التي اشتعل أوارها بين الولايات المتحدة وايران لم تصل الى مرحلة كسر العظم بعدُ ، فكلاهما يحرصان على مسك العصا من الوسط والظهور بموقف القوي ، فواشنطن لاتسمح لأية قوة اقليمية تتجاوز املاءاتها وايران قوة اقليمية صاعدة تريد ان تمد اذرعها في المجال الحيوي لها وفق ماتملي مصالحها المشتركة مع امتداداتها الجيوسياسية.
ويجد المتابع بعد سلسلة التداعيات المؤسفة كحرب الناقلات واحتجاز البواخر واسقاط الطائرات وغيرها ـ وان كانت جميعها رسائل متبادلة بينهما ـ
ان كلا الطرفين في موقف محرج خشيةَ ان تؤدي تلك الامور الى التورط في حرب مدمرة تمهّد لإشعال الحرائق في المنطقة التي تعيش على فوهة بركان منذ اكثر من نصف قرن ، وكلاهما في موقف لايُحسد عليه امام الرأي العام العالمي ، فالعالم كله يترقب تلك الاحداث ويتوجّس خيفة من حدوث اية شرارة تشعل الفتيل لاسمح الله ، ويحاول كل طرف ان يلقي الكرة في ملعب الطرف الاخر ويتحجّج بأقصى ما لديه من حجج كي يظهر بمظهر المحقّ ، فترامب لجأ لسياسة أقصى الضغوط كالعقوبات المالية على القطاع الاقتصادي الإيراني وتجميد الأموال والأرصدة لقادتها وساستها مرورا بمعاقبة الفاعلين الدوليين اقتصاديا معها
، وانتهاءً بمنع تصدير النفط وشرائه، مما سبب انهيارا لعملتها لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات، والموافقة على إبرام اتفاق أفضل من الاتفاق الذي تفاوض عليه الرئيس أوباما لان اتفاقية (5+1) تضرّ بالأمن القومي الاميركي حسب مزاج ترامب .
اما ايران فحاولت مرارا ان تحرج حلفاء واشنطن الذين وقّعوا هذه الاتفاقية من خلال دغدغة مصالحهم معها وكسبهم لصالحها لان اغلب النفط المورّد اليهم يأتي من ايران.
وهي اتفاقية حفظت ماء وجه الجميع ، وحصدت ارتياحا اوروبيا وعالميا عارما ، فاستطاع الاوربيون من خلال الاتفاقية الاحتفاظ بود الاميركان وبمصالحهم مع ايران في ان واحد
، ولهذا امتعض الاوربيون كثيرا بخروج ترامب منها وصاروا بين امرين احلاهما مرّ مع الخوف من اندلاع مواجهة ساخنة تجعل منطقة الشرق الاوسط والخليج على حافة بركان ، الامر الذي سيؤدي الى تهديد مباشر لإمدادات النفط وعودة سيناريو حرب 73 ، فيما تسعى الدول الاوروبية إلى الحفاظ على هذا الاتفاق النووي من أجل وقف واحتواء التصعيد في المنطقة التي قد تشهد توترا عسكريا خطيرا محتملا، وطرح خيارات لتجميد البرنامج النووي الإيراني وفق خطة عمل مشتركة لوضع هذا البرنامج تحت السيطرة الدولية في مقابل إعادة دمج إيران في الاقتصاد
العالمي.
وكلا الطرفين يحاول ان يمسك الطرف الثاني من يده التي توجعه فواشنطن تلوّح بسوط العقوبات الاقتصادية الموجعة ، والتي سبق وان جربتها في كوبا والعراق وتطويق طهران وخنقها من الداخل والتهديد بمعاقبة جميع الدول التي تفتح نافذة اقتصادية مع ايران التي مازالت تلوّح بورقتها الرابحة (مضيق هرمز) الذي يعبر منه نحو 35 بالمئة تقريبا من النفط المصدّر بحرا في العالم والتهديد بغلقه وبهذا يتجّهُ الصراع بين أميركا وإيران، الى التصعّيد الخطير، خاصة بعد نجاح الإدارة الامريكية، في إنشاء تحالف أمريكي – عربي خليجي – أوروبي، لحماية النقل البحري في مضيق هرمز، اذ تشير كل تلك الاحداث ( حرب الناقلات والبواخر والطائرات المسيّرة ) الى امرين لا ثالث لهما وهما التصعيد المستمر الذي قد ينتهي بتواجه الاسلحة كلها وجها لوجه
، او ان سياسة حافة الهاوية التي تستخدمها واشنطن وطهران قد تؤدي في نهاية المطاف الى التسوية المطلوبة والتي ستبدو لا مفر منها لكون اضرار المواجهات العسكرية اكبر بكثير من مكاسبها، لذلك تلتجئ اميركا الى اسلوب الصبر الستراتيجي وايران الى أسلوب النفَس الطويل ،فليس من مصلحة الجميع حالة اللاحرب واللاسلم التي تعبّر عنها الحرب الباردة بين واشنطن وطهران الان ، ولا احد يعلم سوى الله ان قوّضت هذه الحالة وانزلق الجميع في حرب ضروس ستكون حرب الخليج الرابعة والمقدّمة لحرب عالمية ثالثة ، فهل يفهم اطراف الصراع هذه
الحقيقة ؟ .