مستقبل الطاقة المتجددة والبديلة خلال الفترة الانتقالية وتاثيرها في العراق

اقتصادية 2019/08/20
...

 
اعداد: د. فلاح جاسم العامري
 
تعد الطاقة احد اهم العناصر المهمة في النمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي، وعنصر اساسي من متطلبات التنمية المستدامة التي تستهدف النهوض بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ويعيش العالم الان فترة انتقالية في قطاع الطاقة إذ تحصل تغييرات هيكلية ونوعية بشكل عام والتحول من استخدام الطاقة الاحفورية كالفحم الحجري والنفط الى الطاقة المتجددة والبديلة. وهناك أسباب عديدة وراء التحول من استخدام مصادر الطاقة الاحفورية الى الطاقة المتجددة النظيفة، أهمها تتعلق بالبيئة وتغير المناخ والتنوع في مصادر الطاقة، اضافة الى ضمان استقرار وامن الطاقة للدول ومجتمعاتها.
 
 
 
يمكن تعريف الطاقة المتجددة بانها الطاقة البديلة عن الطاقة الاحفورية، مصدرها الموارد النظيفة والمتوفرة في الطبيعية تلقائيا اومتجددة وغير ناضبة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الكتلة الحيوية وغيرها، وهناك نمو مستمر في جميع أنواع الطاقة المتجددة نتيجة التطورالتكنولوجي والابتكارات المستمرة، وان ما يحدث الان من تغيرات في هيكلية وجغرافية في الطاقة العالمية له تاثيرات خطيرة ومصيرية على مستقبل صناعة النفط والغاز، واصبح من الضروري جدا تسليط الضوء على هذا الموضوع لاهميته على المستوى العالمي 
والوطني. 
وقد ظهرت عدة تغيرات وتحديات تهدد مستقبل الطاقة الاحفورية خاصة الفحم والنفط نتيجة التطورات الجارية في قطاع الطاقة على المستوى العالمي، اهمها: ضرورة المحافظة على التوازن بين انواع الطاقة لغرض توفير طاقة كافية ومتنوعة لمواجهة النمو والزيادة المستمرة في الطلب العالمي من جهة،  وتوفير طاقة نظيفة تلبي متطلبات التنمية المستدامة خاصة البيئة من جهة اخرى، كذلك العمل على تجنب حصول ارباك في اسواق الطاقة العالمية نتيجة للتنافس المستمر بين انواع الطاقة الاحفورية كالنفط والفحم الحجري، حيث بدات مؤشرات زوال استخدام الفحم الحجري تدريجا من خلال منع او تقليص استخدامه لاول مرة منذ الثورة الصناعية في بريطانيا وبعض الدول الاوروبية لتقليص نسبة انبعاثات الكاربون.
اضافة الى ضرورة التاقلم مع نمو حدة التنافس الجارية بين انواع الطاقة لتوفير تمويل الاستثمارات لكل نوع من انواع الطاقة، كذلك هناك تزايد في دور الاختراعات والابتكارات التي تحصل في بعض انواع الطاقة خاصة المتجددة، وهناك عدة تغيرات وتحديات تمر بها بعض انواع الطاقة خاصة الاحفورية يمكن تلخيصها ادناه:
1. التغيرات الجارية في صناعة النفط 
والغاز:
في ما يتعلق بصناعة النفط فانها تواجه تحديات عديدة نتيجة التذبذب المستمر في امدادات العرض والطلب للنفط الخام في الاسواق العالمية، وتذبذب اسعار النفط، والعوامل الجيوسياسية، وانخفاض نسبة نمو حجم الاستثمارات في قطاع النفط، اضافة الى تعدد القوانين والتشريعات البيئية التي تزيد 
الكلف. 
اما قطاع الغاز، فان وضعه افضل بكثير مقارنة بالنفط ، فهو يمر بفترة انتعاش، وذلك لاسباب عديدة، منها، ان معظم دول العالم تخوض سباق مع الزمن لايجاد بدائل ذات اسعار منخفضة وصديقة للبيئة وكثفت من استخدام الغاز كوقود بديل عن للنفط في عدة مجالات. وقد زاد الاهتمام بالغاز على المستوى العالمي من خلال زيادة نمو الاستثمارات وزيادة انتاجه وتقليص نسبة حرق الغاز المصاحب للنفط الخام. وتتواجد معظم احتياطيات الغاز العالمي في عدد قليل من الدول خاصة في الولايات المتحدة الامريكية وروسيا وقطر وايران والجزائر، والاستكشافات مستمرة للغاز في مختلف مناطق العالم، وتكفي الاحتياطيات لإمداد العالم بالغاز لمدة أكثر من 200 سنة مقبلة، وان هذه الوفرة في الغاز وانخفاض اسعاره تسهم في زيادة نمو الطلب العالمي عليه.
2 .التغيرات الجارية في قطاع التصفية والبتروكيمياويات:
بالرغم من ان منطقة الشرق الأوسط تملك احتياطيات كبيرة من النفط والغاز ومكانا مهما للمنتجين الاساسين للنفط والغاز في العالم، لكن الصناعات التحويلية خاصة التصفية مازالت منخفضة ومتاخرة مقارنة بطاقتها الانتاجية للنفط الخام وتطورها مقارنة مع بقية دول العالم، وهناك تحديات بيئية واقتصادية كبيرة تواجه قطاع التصفية في العديد من هذه الدول تتمثل بضرورة تخفيض نسبة كبيرة لمحتوى الكبريت وغيره من المواد الضارة في البنزين والديزل وزيت الوقود، وهذا يجعل الاستثمار في هذا القطاع متلكئا بسبب تضخم تكلفة انشاء وحدات تصفية متطورة تنتج منتجات نفطية صديقة للبيئة، وفي الوقت نفسه يجعل المصافي الحالية خاصة صغيرة الحجم غير مجدية اقتصادياً. 
ولذلك اصبحت القيود البيئية تحدياً كبيراً لصناعة تكرير النفط نظراً لصعوبة بناء مصافي جديدة خاصة في اوروبا التي اغلقت عدد من المصافي القائمة لقدمها بسبب التخوف من التلوث البيئي، وقد ادت هذه السياسة الى انكماش قطاع التصفية في الغرب وتوسعها بشكل كبير في الشرق الاقصى والشرق الاوسط.  
وهذا ما نراه واضحا من خلال انخفاض عدد المصافي في الولايات المتحدة من 300 الى 120 مصفاة كبيرة ومتطورة تستطيع انتاج الديزل والبنزين بجودة عالية بالإضافة الى تكامل الكثير منها مع صناعة البتروكيماويات.
كذلك انخفض عدد المصافي في اليابان وفرنسا وبريطانيا وايطاليا خلال الخمس سنوات الأخيرة بقدرة تكريرية مجتمعة بحوالي 1.6 م/ب /ي. بينما حصلت زيادة في عدد المصافي في الصين والهند والسعودية وروسيا بقدرة تكريرية مجتمعة بحوالي 6 م/ب /ي.  
3 . التغيرات المتعلقة بالبيئة:
لقد اصبح موضوع تغير المناخ تحديا جديا وتهديدًا لاستقرار الاقتصاد العالمي وسبباً للعديد من المشكلات العالمية الناجمة من التغيرات الحالية في قطاع الطاقة، واخذت التغيرات البيئية وتزايد التشريعات العالمية والمحلية المتعلقة بتقليض الانبعاثات الكاربونية والسامة تلعب دورا مهما في تقليص استخدام منتجات الوقود الاحفوري وزيادة التوجه نحو مختلف انواع الطاقة المتجددة والطاقة وقد ارتبط نموها مع اهداف التنمية المستدامة، واصبحت ظاهرة تغير المناخ وانعكاساتها على تنوع الطاقة والتشريعات والاجراءات الخاصة بالبيئة من الاهتمامات الاولى لمعظم دول العالم خاصة المتقدمة منها، وخير مثال على ذلك، قيام المملكة المتحدة بتحديد اهدف ملزمة لتخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 80 بالمئة بحلول 2050. 
بالاضافة الى ذلك فقد اعتمدت المنظمة البحرية الدولية (IMO) ستراتيجية جديدة بشأن الحد من انبعاثات الغازات من السفن، ووضع رؤية  للحد منها في النقل البحري الدولي، لتحقيق تخفيض إجمالي في انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية بما لا يقل عن 50 بالمئة بحلول عام 2050 مقارنة بعام 2008.
لذلك فقد قامت معظم الشركات النفط العالمية باتخاذ خطوات تتماشى مع المرحلة الانتقالية لتكون جزءا من المنظومة العالمية للطاقة المتجددة من خلال زيادة الاستثمارات في البحوث والدراسات والابتكارات والاختراعات وتهتم في بناء مشاريع عملاقة في مجال الطاقة البديلة النظيفة والمتجددة لتلبية حاجة بلدانهم او على المستوى العالمي . 
إن المرحلة الانتقالية للطاقة ستكون طويلة وبطيئة ويتم خلالها صدور تشريعات واجراءات عديدة على المستوى المحلي والعالمي لتحديد مستقبل انواع الطاقة بخاصة الطاقة الأحفورية والنفط بالتحديد. 
وهناك جهود كبيرة على جميع المستويات حكومات كانت او شركات عالمية لتجنب حصول فوضى او عدم استقرار ينجم عن تطور الابتكارات والتكنولوجيا في مختلف انواع الطاقة البديلة، لفهم ما يحدث في اسواق الطاقة العالمي من خلال المؤتمرات والندوات واللقاءات بين جميع المعنيين لضمان عدم حصول انهيار في شركات النفط العالمية او اقتصادات الدول المنتجة للنفط نتيجة لانخفاض نمو الانتاج والاسعار و الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني 
مستقبلاً . 
ولابد ان نشير الى ما ذكرته وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الصادر خلال شهر آب 2019 المتضمن ادنى نموا في الطلب على النفط منذ 2008 ويعود ذلك لضعف النمو الاقتصادي العالمي  في هذا العام او عام
 2020.  
واذا ما استمر هذا الاتجاه فان ذلك سيفسح المجال امام بقية انواع الطاقة بالنمو اسرع من النفط.  ولكن بشكل عام ورغم هذه المخاوف والتطورات فان الاستثمارت في قطاع النفط على المستوى العالمي ستستمر. 
وسيبقى النفط متسيدا لانواع الطاقة لفترة طويلة ربما حتى عام 2040  بعدها ربما يتقدم قطاع الغاز او انواع الطاقة المتجددة لتزيح النفط عن الموقع الاول ويكون نموها على حساب النفط وبذلك ينتهي عصر النفط. 
السؤال المهم هنا : ماذا تعني الفترة الانتقالية في الطاقة بالنسبة 
للعراق؟ 
ان التغيرات الحاصلة في الطاقة على المستوى العالمي لها تاثيرات مهمة على مستقبل التنمية المستدامة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية واتجاهات ومستقبل النفط والغاز في العراق، حيث  ان العراق الغني بالموارد الطبيعية كالنفط والغاز يعتمد بشكل كبير على إيرادات هذه الموارد، يتاثر بحركة العرض والطلب على النفط وتذبذب اسعار النفط لاعتماد موازناته السنوية العامة على عائدات النفط والغاز وبالنتيجة توقف مشاريع التنمية الاقتصادية والخدمية وعدم الاستقرار، لهذا يتطلب من العراق ان يهتم بشكل جدي ومن دون تاخير  لتنفيذ التنوع في الطاقة والتنوع الاقتصادي وتضمينها في مشروع التنمية المستدامة الذي اصبح ضروريا جدا للنهوض الاجتماعي والاقتصادي للاجيال الحالية المقبلة. 
ان التطورات المتسارعة الجارية في الفترة الانتقالية للطاقة يتطلب من العراق كمنتج ومصدر للنفط والغاز ان يتبني ستراتيجية طويلة الأمد للتنمية المستدامة من خلال التحول التدريجي من الاقتصاد الريعي المعتمد على إيرادات النفط والغاز الى الاقتصاد المتنوع الذي يعتمد على مختلف الانشطة الاقتصادية، خاصة تطوير الصناعة التحويلية كالمصافي والصناعة البتروكيماوية والطاقة المتجددة كمشاريع الطاقة الشمسية  وغيرها. 
ويتم ربط خطط وستراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والطاقة بمستقبل إنتاج النفط والغاز من جهة ومستقبل الطاقة البديلة والمتجددة في العراق من جهة اخرى لتكون متناغمة مع التغيرات الجارية على انواع الطاقة وجغرافيتها وتأثيراتها البيئية والتشريعات  الدولية. 
لقد بدا العراق بالاهتمام في تنويع الطاقة من خلال زيادة انتاج الغاز واستخدامه في الاستهلاك الداخلي لأهميته في التنمية المستدامة، اضافة الى وضع الخطط لإنشاء مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة كمشاريع الطاقة  الشمسية. 
وهذا بالتاكيد يسهم في تجنيب العراق الوقوع في خطأ تاريخي يؤثر على مصير التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومستقبل الأجيال المقبلة .