تركيا تطلق عملية داخلية ضد التنظيمات الكردية وتستعد لأخرى في سوريا

قضايا عربية ودولية 2019/08/20
...

اسطنبول / فراس سعدون
 
 
استيقظ الأتراك صباح الاثنين الماضي على نبأ إقالة 3 رؤساء بلديات كبرى في 3 ولايات منتخبين منذ نحو 5 أشهر، واعتقال أكثر من 400 مشتبها به في 29 ولاية بتهم الارتباط بتنظيمات كردية مصنفة إرهابية.
وعينت وزارة الداخلية أوصياء لإدارة البلديات الكبرى ذات الغالبية الكردية، بدل عدنان سلجوق مزراكلي، رئيس بلدية ديار بكر المقال، وأحمد تورك، رئيس بلدية ماردين المقال، وبديا أوزغوكجه ارتان، رئيسة بلدية فان المقالة.
وقالت الوزارة، في بيان: إن رؤساء البلديات المقالين متهمون بارتكاب جرائم مختلفة بما فيها “العضوية في منظمة إرهابية”، و”نشر الدعاية الإرهابية”.
وينتمي رؤساء البلديات المبعدون إلى حزب الشعوب الديمقراطي، الممثل في البرلمان التركي، والذي تتهمه الحكومة بأنه جناح سياسي لحزب العمال الكردستاني، وتسجن زعيمه صلاح الدين دميرتاش المرشح الرئاسي السابق.
وتضمن بيان الداخلية هذا الاتهام “كان ينوي رؤساء البلديات تحويل بنية البلديات إلى هيكل إداري منفصل عن الدولة بأكملها”. وعد تعليق عملهم إجراء وقائيا مؤقتا لسلامة التحقيقات، والدعاوى القضائية والإدارية.
 
حرب الداخل والخارج
وأطلقت وزارة الداخلية على عمليتها في الولايات الثلاث تسمية “الكاسر” وتشارك فيها قوات من الدرك والأمن.
وتتزامن العملية مع تأهب قوات تركية عند الحدود السورية لشن عملية ضد التنظيمات الكردية في مناطق شرق الفرات السورية، وإرسال تعزيزات عسكرية إلى إدلب.
وقال فؤاد أوكتاي، نائب الرئيس التركي، في كلمة بأنقرة: إن القوات التركية ستواصل بعزيمة مكافحة الإرهاب داخل تركيا وخارجها، متمنيا النجاح للقوات في عمليتها ضد حزب العمال الكردستاني.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قال في رسالة نشرها بمناسبة عيد الأضحى: إن آب يعرف بشهر الانتصارات في تاريخ الأمة التركية، ونأمل إضافة نصر جديد لسلسلة انتصارات هذا الشهر.
وجاء في رسالته “سنواصل إلحاق الهزيمة بمن يخططون لإيقاف مسيرة بلادنا عبر وسائل خبيثة عديدة انطلاقا من هجمات المنظمات الإرهابية وحتى الأفخاخ الاقتصادية”.
وكان إردوغان قد قال، قبل انتخابات آذار: إن الحكومة ستعين أوصياء على البلديات المحلية التي تقدم الدعم للعمال الكردستاني، كما قال سليمان صويلو، وزير الداخلية: إن التحقيق يجري مع 178 مرشحا للانتخابات بسبب صلات مزعومة بالعمال الكردستاني.
 
تأييد ومعارضة لعملية الكاسر
وقال نائب الرئيس التركي: إن الدولة التركية ملزمة باتخاذ إجراءات ضد البلديات التي تدعم الإرهاب وقادته في الصراع من أجل الديمقراطية.
وذكر أوكتاي، في تغريدة منفردة على تويتر، ان “التحقيقات القضائية والإدارية حددت أن الأموال البلدية [في 3 ولايات] كانت تستخدم لصالح إرهاب دموي”. وتابع أن “الإجراءات اللازمة اتخذت، ولا يمكن ترك إرادة الأمة تحت يد الإرهاب”.
وأبدى دولت باهجه لي، رئيس حزب الحركة القومية المتحالف مع إردوغان، دعمه لإجراءات عزل رؤساء البلديات الثلاث.
وقال باهجه لي في اتصال هاتفي مع وزير الداخلية: “ندعم الخطوات التي تقومون بها، فالبلديات ليست مراكز لدعم الإرهابيين، بل مقرات لخدمة المواطنين”.
ورأى باهجه لي، الخصم التقليدي لحزب الشعوب الديمقراطي وسائر الأحزاب والتنظيمات الكردية وسياساتها، أن عزل رؤساء البلديات أمر مهم وسيسهم في تعزيز مكافحة الإرهاب.
وردّ حزب الشعوب الديمقراطي عبر بيان عنوانه “لن نسكت، لن نتوقف” بأن عزل رؤساء بلدياته “انقلاب سياسي جديد وواضح يشكل خطوة معادية بوضوح ضد الإرادة السياسية للشعب الكردي”.
وهاجم الحزب المعارض الحكومة ووصفها بأنها “لم تعد تتمتع بقدر ضئيل من الشرعية الديمقراطية”. وأضاف أن “اغتصاب إرادة الشعب، وابتزاز ما لم يتمكنوا من كسبه في الانتخابات، من خلال عنف الدولة والقوة والخداع، أصبحا من ممارسات تحالف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية”.
وانتقد الحزب وزارة الداخلية واعتبرها “تعمل كمنفذ للقرارات والممارسات التي تغتصب الحقوق والحريات، وتشن الاستفزازات، ولا تترك حتى حبة واحدة من الديمقراطية”.
وعلق فايق أوزتورك، المتحدث باسم حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، على إقالة رؤساء البلديات وتعيين أوصياء محلهم، بأن “صناديق الاقتراع ستفقد معناها”.
وعارض عملية إقالة رؤساء البلديات قيادات مؤسِّسة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ولكنها تعترض منذ مدة على سياساته وقراراته.
وقال عبد الله غول، الرئيس التركي السابق، في تغريدة على تويتر: إن “إقالة رؤساء البلديات المنتخبين حديثا بهذا الشكل ليس صحيحا بالنسبة لديمقراطيتنا”.
ويمكن أن تشمل حملة الإقالة رؤساء بلديات أخرى استنادا إلى حملة مشابهة نفذتها وزارة الداخلية عام 2016 وعينت فيها أوصياء على 28 بلدية بتهمة دعم العمال الكردستاني و(فتو) حركة فتح الله غولن المتهمة بالضلوع في محاولة الانقلاب العسكري في العام نفسه.
وكتب أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء الأسبق، على تويتر، أن إقالة رؤساء البلديات “انتهاك لروح النظام الديمقراطي”. وحاجج في ذلك “إذا كان انتخاب المرشحين مخالفا للقانون، فيجب على اللجنة العليا للانتخابات النظر في ذلك قبل الانتخابات. بالطبع يمكن اتخاذ التدابير اللازمة في ما يتعلق بالجرائم المرتكبة بعد الانتخابات، ومع ذلك، يجب أن توضع الشروط القانونية أمام القضاء”.
وحذر داود أوغلو، الذي كان مع غول الأقرب إلى إردوغان، في حين يجري الحديث منذ مدة عن ابتعادهما وسعيهما لتأسيس حزب جديد، من أن قرار إقالة رؤساء البلديات “لن يسهم في السلام الاجتماعي، وقد يضعف الحرب ضد الإرهاب”، ذاهبا إلى أن “الكفاح السياسي الأكثر فعالية ضد الإرهاب ليس عن طريق تآكل التمثيل الديمقراطي، ولكن عن طريق الفوز في الانتخابات بقلوب الأمة”.
وقوبلت إقالة رؤساء البلديات باعتراضات دولية.
وقالت مايا كوكيجانيتش، المتحدثة باسم الشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي: إن الاستعانة بأوصياء عن رؤساء البلديات المنتخبين “أمر يثير قلقا بالغا، ويحرم الناخبين من التمثيل السياسي على المستوى المحلي، ويخاطر بإلحاق الضرر بالديمقراطية المحلية”.
وأفادت المتحدثة الأوروربية “في حين أن الحكومة التركية لها حق مشروع في مكافحة الإرهاب، إلا أنها مسؤولة أيضا عن ضمان القيام بذلك وفقا لسيادة القانون، وحقوق الإنسان، والحريات الأساسية المنصوص عليها في دستورها، والتزامات تركيا الدولية، وليس لأسباب سياسية”.
ولفتت المتحدثة إلى أنه “في حين أن الاتحاد الأوروبي أدان بشكل لا لبس فيه مرارا وتكرارا الهجمات الإرهابية العنيفة في تركيا، وعبر عن تضامنه مع أسر الضحايا، فإنه يكرر أيضا دعوته لاستئناف عاجل لعملية سياسية ذات مصداقية لتحقيق حل سلمي ومستدام”.
 
تطورات العمليات في سوريا
وأعلنت وزارة الدفاع التركية، أن القوات المسلحة هاجمت أهدافا لحزب العمال الكردستاني في شمال غرب سوريا.
ونشرت الوزارة، في حسابها على تويتر، أن الهجوم جاء ردا على هجمات للعمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية طالت عناصر الجيش التركي في منطقة عملية درع الفرات.
وأدانت الوزارة، من جهة أخرى، غارة جوية على رتل عسكري تركي كان متجها لمحافظة إدلب السورية أمس الأول، متهمة الطيران السوري بشن الغارة.
وقالت الوزارة: إن الغارة التي قتلت 3 مدنيين وأصابت 12 انتهاك للاتفاقات مع الجانب الروسي الذي أشعر مسبقا بتحرك الرتل. 
وكان الرتل في طريقه لنقطة المراقبة رقم 9 وهي واحدة من 12 نقطة مراقبة تركية في إدلب، وذلك بعد أن شهدت المحافظة تجدد الاشتباكات بين القوات السورية ومعارضيها المدعومين من تركيا.
واستنكرت دمشق عبور الرتل التركي نحو إدلب.
وحذر مولود جاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، دمشق من اللعب بالنار.
وقال جاووش أوغلو، في مؤتمر صحفي عقد بأنقرة “سنفعل كل ما يلزم من أجل سلامة جنودنا”، متابعا “نجري اتصالات على جميع المستويات مع روسيا.
ودعت وزارة الخارجية الأميركية دمشق وحفاءها إلى وقف إطلاق النار في إدلب بعد الغارة على الرتل التركي.
وتعمل تركيا مع الولايات المتحدة على جبهة أخرى حيث تريد إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري.
وعلق جاووش أوغلو على مستجدات الجهود المشتركة بقوله: إن “محادثاتنا مع واشنطن بشأن المنطقة الآمنة في سوريا ستتواصل، ولدينا خطة حال لم نتوصل إلى اتفاق”، مشددا على أن تركيا لن تسمح للولايات المتحدة بتكرار مسار المماطلة الذي حصل في اتفاق خارطة طريق منبج، وتقديمها السلاح للتنظيمات الكردية.
وامتنعت القيادة التركية، حتى الآن، عن شن عملية شرق الفرات إثر اتفاق وقعه عسكريون أتراك وأميركان لتأسيس مركز عمليات مشتركة لإدارة المنطقة الآمنة المخطط إنشاؤها في الشمال السوري، وهي منطقة تريد أنقرة أن تكون بعمق نحو 32 كيلومترا وأن تخرج التنظيمات الكردية منها.