سعد العبيدي
تلبدت أجواء المنطقة عام 1979، إذ تغير الوضع السياسي في إيران، انتهى في حالته الشاه شرطي الغرب في المنطقة، وأقيم بدلاً عن حكمه الملكي حكماً جمهورياً إسلامياً ثورياً، وفي العراق المجاور، أزيح الرئيس أحمد حسن البكر ذو الأصول العسكرية من على كرسي الحكم أميناً عاماً لقيادة قطر العراق ورئيساً للجمهورية، ليأتي بدلاً عنه صدام حسين الشاب البعثي المتهور، وباكتمال التغييرين بدأ التحول التدريجي في مخرجات الصراع بين البلدين الجارين باتجاه الانتقاد والذم والرغبة في الازاحة حتى اكتملت الصورة وتهيأت الساحة الدولية والإقليمية والمحلية لنشوب حرب عام 1980 لا تخلو من جذور واعتبارات طائفية، حصلت بطريقة أو سيناريو تاهت فيه الرؤيا عن المتابع العادي لتحديد من بدأ الحرب ومن المسؤول عن استمرارها، دوامة وضع فيها المجتمعان العراقي والإيراني طوال ثماني سنوات لعبت خلالها الجهة المعنية بنشوب الحرب على الطرفين لعباً يفوق قدرتهما والمنطقة على الادراك، فقدمت للإيرانيين سلاحاً وعتاداً غربياً عندما يخسرون سلاحهم في معارك تبادل فيها الطرفان الربح والخسارة، وقدمت للعراق مالاً وهداياً وتعظيم للقيادة والرئيس، ويوم أرادت انهاء الحرب وحسم الموضوع بطريقة حفظ ماء الوجه لا غالب فيها ولا مغلوب، قدمت للعراق أجهزة تسديد ليزرية لطائراته، ومعلومات ووسائل رصد ومتابعة أخلت بالموازين القائمة وأرغمت ايران على قبول انهائها على الرغم من عدم وجود استعداد لدى قادتها آنذاك.
لقد انتهت الحرب وحال انتهائها في 8/8/ 1988، فرح العراقيون جميعاً، واحتفلوا هم والايرانيون بالمناسبة ودعاوى النصر المؤزر كل على خصمه اللدود، واعتقدوا الخلاص من ويلاتها حرباً بلا معنى، وتأملوا العودة الى الاستقرار، لكن هذا لم يحصل ليس لأن السيناريو المطلوب لإعادة ترتيب المنطقة والعراق لم يكتمل بعد، بل وكذلك لأن القيادة العراقية آنذاك مصابة بداء العظمة الذي يسهل على أصحاب الشأن والنفوذ العالمي استخدامها أداة حروب وتمرير خطوات السيناريو المرسوم عن طريقها إيحاءً نفسياً أو فعلا مادياً كما حصل لأسعار النفط ومطالبة العراق بتسديد ديونه في ظروف اقتصادية لا يمكن فيها تسديد الديون، خطأً آخر لسيناريو آخر تقع في حبائله القيادة العراقية آنذاك بعد الخطأ الفادح الذي ارتكبته من قبل أي قبول الحرب مع ايران.
الحرب الجديدة التي قامت على أعقاب الحرب القديمة، استهدف فيها صدام تدمير الكويت انتقاماً ورعونة وضعت نتائجها العراق على طريق دمار لم ينتهِ، وان انتهى القائم عليه أي صدام حسين، إذ تبَيّنُ وقائع الأحداث من بعده أن السيناريو الخاص بالمنطقة لم يكتمل بعد وان العراق الذي اختير بؤرة توتر مازال اختياره قائماً، وبما يفضي في المستقبل ليس البعيد من الآن الى أن يكون العراق غير العراق الحالي وتكون المنطقة بأسرها غير المنطقة الحالية بحدودها الجغرافية ونظمها السياسية، إذا لم يتنبه الأهل ويغيروا المسار.