طموحي توسيعُ المكتبات في المخيمات

اسرة ومجتمع 2019/08/23
...

 بغداد/ شذى الجنابي
واجهت الناجية الايزيديَّة صعوبات ومعوقات كثيرة أثناء هجمات عصابات (داعش) الإرهابية على مناطقهم الآمنة، وبعزيمتها استطاعت التغلب عليها لتكشف عن قوتها في مواجهة العقبات التي اعترضتها وعدم الاستسلام أمامها، (أميرة عتو السنجاري) إحدى الناجيات من قبضة عصابات الإرهاب، عمرها 25 عاماً من قرية خانصور في سنجار، سكنت في مخيم (بيرسفي 2) في قضاء زاخو بعد خروجها من ديارهم، وقد رمت ماضيها وراء ظهرها واتجهت نحو العمل الخيري ومساعدة من يحتاجها في المخيمات.
دورات تأهيليَّة
تقول أميرة: “بالرغم من النزوح والألم وصعوبة العيش في المخيمات قررتُ العمل منذ الأيام الأولى بعد انتقالي مع النازحين الى المخيم، وبذلت جهودي ساعية لمساعدة الأسر والوقوف الى جانبهم بعد الكارثة التي حلَّت بنا وعملت على إعالة والدتي التي تعاني من مرض القلب، وشقيقتي الصغيرة التي أصيبت بمرض نفسي جراء ما شاهدته من وحشية الإرهاب، والتحقت بعدها بالمنظمات المدنيَّة للعمل ضمن المدافعين عن حقوق الإنسان، ومدربة في منظمة سنجار للتنمية الاجتماعيَّة وتقديم محاضرات في الدورات النفسيَّة والتأهيليَّة، فضلاً عن تنظيم ورش عمل للنساء الناجيات لتمكينهن اقتصادياً ومساعدتهن من خلال جمع التبرعات في إقامة مشاريع صغيرة لإعالة أسرهن”.
وتضيف أميرة “تمكنت من تحقيق حلمي بافتتاح مكتبة باسم (أميرة شنكالي) في مخيم (بيرسفي 2) الذي يضم 20 ألف نازح، وقد طلبت من إدارة المخيم تخصيص أحد الكرفانات لإنشائها، واستجابوا لطلبي وتم تجهيزه بالرفوف والطاولات والمقاعد، وخلال 6 أشهر جمعت أكثر من 2500 كتاب حصلت عليها من خلال تبرعات الأصدقاء وأصحاب المكتبات في دهوك وزاخو وبغداد واشتريت البعض الآخر منها بدعم ذاتي، وساعدني في العمل عددٌ من الفتيات النازحات، وطموحي توسيع مشروع المكتبات في مخيمات أخرى التي تضم أكثر من مليون ومئتين وخمسين ألف نازح في 32 مخيماً، لكنَّ ما ينقصني هو الدعم المادي فقط، لوحدي لا أستطيع، وأمنيتي إكمال دراستي الإعداديَّة والجامعيَّة”.
 
توسيع المكتبة
عن استقبالها للقراء، تقول: “بالرغم من بساطة الفكرة في تلك الظروف التي يمرُّ بها شبابنا، أخذت تلقى رواجاً كبيراً من خلال ترددهم اليومي بشكل كبير وتفاعلهم مع المشروع، وأيضاً الطلبات الكثيرة والإلحاح المتكرر بافتتاح مكتبات جديدة أخرى وتوسيعها في المخيمات”.
وترى اميرة أنَّ المشروع غيَّر لديها اعتقاداً كان سائداً في مجتمعها الايزيدي بأنَّ القراءة باتت سلوكاً مهجوراً في المخيمات لكنها اكتشفت بعد تواجدهم الكثيف من الكبار والصغار بأنهم يعشقونها، وإقبال عشرات الأطفال الى المكتبة بشكل يومي، فالبعض منهم يأخذ الكتب معه، في حين يجلس آخرون في داخلها لقراءة كتاب معين.
 
الوصول الى الهدف
تعتقد أميرة بأنَّ أية امرأة “لا تستطيع أنْ تنجح في عملها ما لم تكن واثقة من نفسها وإمكانياتها، وهذا الأمر يجعلها قادرة على العمل في ظل الظروف الصعبة، ويمنحها سبباً للوصول إلى هدفها مهما كانت الصعوبات التي تعترضها، وإيماني دائماً بالمثل القائل (إن المحنة التي لا تقتلك ستجعلك أقوى حتماً”، والشخصية القوية لا تصقل في بيئة هادئة، بل تحتاج إلى التجربة والمعاناة لتصبح أقوى)”.
 
تغيير واقع النساء
مضيفة أنَّ “العيش كناجية ليس أمراً سهلاً حتى بعد معالجتها النفسيَّة التي تلقتها في بلدها، وقد تعرض البعض منهن الى المضايقات والانتقادات ونظرات الشفقة من الآخرين وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتقادي هذا أمرٌ طبيعيٌّ وفي الوقت ذاته صعبٌ جداً، فعندما تلتقي أي امرأة بشخص ما ويعلم بمشكلتها ينظر إليها بعين الشفقة وهذا ينعكسُ على حياتها الشخصيَّة بشكل سلبي، وأحاول دائما تشجيع العاملات القريبات مني، إذ يعدوني قدوة لهم وبعملي الخيري الذي أقوم به، فضلاً عن رواد المكتبة، لذا أعمل بكل طاقتي على تغيير واقع المرأة ومساعدتها في تغيير نظرة المجتمع اليها وإظهار الجانب القوي لديها خصوصاً بعد عودة أغلب النساء الأسيرات الى ذويهن غارقات باليأس والألم نتيجة ما تعرضن له من اغتصاب وتعذيب وزواج قسري، وعمل المجتمع الايزيدي على احتضان الناجيات بعد اجبارهن على التخلي عن أطفالهن الذين أنجبنهن من هذه الممارسات تماشياً مع المرسوم الذي أصدره الزعيم الروحي لهم، والذي يتناول رفض الأطفال المولودين من أبوين غير أيزيديين، لأنَّ مجتمعهم لا يمكن أنْ يتقبل أطفالاً من إرهابيين اختطفوا واغتصبوا بناتهم، من جانب آخر لجوء أغلب الأرامل الى الزواج من رجل ايزيدي لإنقاذها من الفقر والجوع مع أبنائها، وفتيات أخريات بلغت أعمارهن (13- 15) عاماً تزوجن بعد فقدان الأهل وهرباً من الجوع”.
ولفتت أميرة الى “وجود إهمال لمجتمعنا من قبل الحكومة العراقية في ما يخص ملف المخطتفات، وإعادة بناء البنى التحتية لمناطقنا المحررة وتأهيل دورنا السكنية لعودة الأسر إليها، إذ يعاني أغلب النازحين من تفشي الأمية بعد تركهم الدراسة في مناطقهم لأسباب اقتصاديَّة، والضائقة الماليَّة التي عاشوها بعد أنْ تركوا الحرف والمهن التي كانوا يمارسوهنا سابقاً، أو بُعد المدارس عنهم، فضلاً عن العيش في مخيمات تفتقر الى أبسط الشروط الصحيَّة التي لا تحميهم من برد الشتاء وحر الصيف اللاهب، لذلك نطالب مؤسسات الدولة والمنظمات الدولية والمحليَّة بتأهيل مناطقنا والعودة الى منازلنا”.