د. حسين القاصد
حاول عزيزي القارئ الكريم أن تفكر مجرد تفكير لا أكثر ، ان تزور ضفاف دجلة ، في أي منطقة يمر بها ، ريفية كانت أم مدنية ؛ وقبل أن تحاول ، لا بأس أن نستأنس بما قيل في الأنهار من شعر ونثر ، ومنه قول الشيخ علي الطنطاوي في
بردى :
( وبردى ؟ لمّا قدم شاعرُ العرب عاصمةَ العرب ، ومرّ على بردى ، وهو يمشي بين قصر أمية ودار البلدية مشية العاجز الهرم ؛ قال له صاحبه مستقلّاً بردى مستخفّاً به : أهذا الذي ملأت الدنيا مدحاً له ؟
إنّه “ ترعة “ من ترع النيل!
يظنّ صاحبُ شوقي أنّ النهر بكثرة مائه ، وبعد ضفّتيه . ما درى أنّ بردى هو الذي يجري في الوادي زاخراً متوثّباً نشيطاً لا الذي يجري في “ المَرجة “ متهافتاً كليلاً ، وأنّه هو الذي أطعم دمشق الخبز ، وهو الذي زرع بساتين الغوطة ، وأنّه هو الذي أنار دمشق بالكهرباء وسيّر فيها وفي غوطتها الترام ، وهو الذي لا تضيع قطرة منه واحدة ، على حين يمرّ النيل على القاهرة مرّ الكرام ، يقرأ عليها السلام ، ثمّ يحمل خيره كلّه ليلقيه في البحر ؛ لا يمنح القاهرة منه إلّا ما تأخذه بالمضخات والنواعير التي لا تسير إلّا بمال ...!) ؛ ولماذا نذهب بعيدا ، وعندنا من قصيدة دجلة الخير للجواهري الخالد ، مايجعلنا نعتصر ألماً على حال دجلة اليوم ، ومن القصيدة قوله :
وأنت يا قارباً تلوي الرياح به
ليّ النسائم اطراف الأفانين
ترى ، اما زالت دجلة ام البساتين ؟ واين هي البساتين ؟ ما نراه في ضفتي النهر مؤلم جدا ، بدءا من العبث العشوائي حيث المناطق المطلة على النهر ، اذ يقوم اهلها باستغلال الضفاف وإقامة اسيجة مقابل كل دار وردم جزء من النهر لاقامة أماكن خاصة لأصحاب تلك المنازل ، وانشاء مطاعم وكازينوهات بشكل عشوائي ، وهذا ما يمنع الناس من الاقتراب من ضفاق النهر والاستمتاع باجوائه وسحره .
ولا شيء عن القارب الذي تلوي الرياح به ، فنحن لم نفكر حتى الان باستثمار النقل النهري لكي نخفف من اختناق الطرق البرية ؛ كما ان النهر لا عناية واضحة او ادامة له ، بل لا توجد حتى حماية لمياهه من التلوث نتيجة انسياب نفايات تلك المطاعم ، وفضلات المصانع والمستشفيات المطلة على النهر ؛ فهل من عناية بما انعم الله على العراق ، فهو نهر يمتد على طول العراق ، ليصل الى البصرة ويقترن بالفرات في عرس تتويج مائي ، لا تحظى به اغلب دول العالم ؛ وهل من حراسة لخير دجلة ، من الصيادين واستسهال العبث بمقدرات البلد ؛ لنا أن نسأل وننتظر من يسعف دجلة الخير .