حمزة مصطفى
دخل قرار إتخذه رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي برفع الحصانة عن نواب في البرلمان خلال العطلة التشريعية دائرة الجدل السياسي. الحلبوسي وطبقا لفقهاء القانون في العراق له الحق الدستوري في رفع الحصانة عن أي نائب خلال العطلة التشريعية للبرلمان فيما إذا طلب القضاء ذلك. إذن الحلبوسي ومن هذا المنطلق فإنه مارس حقا منحه إياه الدستور. ماعدا العطلة التشريعية للبرلمان فإن رفع الحصانة عن أي نائب يتطلب التصويت عليه
بالأغلبية.
مع ذلك فإن رفع الحصانة عن النائب لا تعني بالضرورة إدانة مسبقة له, لكنها إجراء ضروري يمهد لعرضه أمام القضاء بناء على تهم أو شكاوى يمكن في ضوئها إدانته أو تبرئته وبالتالي تعود له الحصانة تلقائيا. في الدورة البرلمانية الماضية تنازل رئيس البرلمان السابق الدكتور سليم الجبوري عن حصانته وواجه القضاء وتمت تبرئته مما كان قد وجه له من تهم إثر جلسة الاستجواب الشهيرة لوزير الدفاع الأسبق خالد العبيدي. كما رفعت الحصانة عن نواب آخرين من بينهم محمد الكربولي وقد واجهوا القضاء وبرأهم وعادوا الى المجلس وفاز بعضهم لدورة نيابية
جديدة.
الذي لفت الإنتباه في قصة رفع الحصانة عن النواب الثمانية من أصل 30 نائبا مطلوب رفع الحصانة عنهم أن بعض الأطراف التي تضررت من هذا الإجراء أعلنت في البداية أن الحلبوسي خرق الدستور والقانون والنظام الداخلي للمجلس. غير أنه حين إتضح أن الإجراء الذي قام به مكتمل الأركان قانونيا ودستوريا ذهبوا الى فرضية الاستهداف وتصفية الحسابات مع بعض خصومه من القيادات السنية. السؤال هنا :كيف يمكن أن نفهم قرار رئيس البرلمان ؟.. هل ننظر اليه ببعده الدستوري والقانوني السليم وهو مايعني إنه تصرف من موقع قوة لكي تأخذ السياقات المطلوبة لإجراءات رفع الحصانة مداها بصرف النظر عن أي تأويلات؟ أم نحاسبه من منطلق أن الهدف الذي يرمي اليه هو تصفية الحسابات؟
بين الحالتين ضاع دم رفع الحصانة بين ماهو قانوني وسياسي. ولكي نعيد الاعتبار لمفهوم الحصانة لابد أن نعود لمبدأ تفسير ماحصل. ففي حال كانت العملية بمثابة خرق للقانون فإن رئيس البرلمان يتحمل مسؤولية هذا الخرق. وفي حال كانت العملية مكتملة الأركان فلماذا يتم تحويل الأنظار لجهة الاستهداف السياسي؟ أليس المفروض أن يكون الدستور والقانون الذي إستند رئيس البرلمان الى مواده في إستجابته لطلب القضاء هي الحاكمة وليس ماهو سياسي؟
لكي نكون موضوعيين فإن قصة تصفية الحسابات السياسية والخلافات بين الخصوم السياسيين حتى داخل المكون الواحد ليست جديدة ولا طارئة على المشهد السياسي. وطالما أن التسقيط وتصفية الحسابات هي ليست مرهونة بطرف من دون آخر فإن الأولى أن تبقى مثل هذه الصراعات السياسية في حدود مبدأ التنافس في الساحة السياسية.
لذلك فإن خلط الأوراق بين إجراء قانوني مكتمل الأركان وبين ماجرى تفسيره على إنه استهداف سياسي من شأنه أن يشل عمل المؤسسة التشريعية ولم يعد بمقدورها ممارسة دورها على صعيد الدور الرقابي للحكومة طالما لم تتمكن من إبعاد الإجراءات الدستورية عن جنبة الاستهداف وتصفية الحسابات السياسية.