القوة الكامنة

اسرة ومجتمع 2019/08/24
...

ميادة سفر
 
تتحددُ قوة الفعل بالطاقة الكامنة سواء كانت فكريَّة أو عضليَّة، وبالتالي لا يوجد فعلٌ إنساني بلا طاقة أو قوة تدفعه للإنجاز والإنتاج.
كل الشعوب المنتجة تعملُ على تنمية طاقاتها المعرفيَّة والعلميَّة، وخلق الحافز والتشجيع على الخلق، وتنظيم الجهد الإنساني بشقيه المادي والمعنوي، ذلك لأنَّ وجودها يرتكزُ على قوتها الكامنة، وطاقتها المتجددة، وعلى مدى نجاحها في إدارة نفسها، وبالتالي إدارة أدوات الإنتاج ومخرجاتها، واستثمارها بالشكل 
الأمثل.
مفهومنا الشرقي عن الحياة لا يتوافق مع الحقيقة المتمثلة بالتنافس والتقدم نحو العلم، لذلك نحن من الشعوب التي تخضع لسلطة الآخر فكما أنَّ هناك من ينتج فإنَّ في المقابل هناك من 
يستهلك.
لقد بقيت شعوبنا لقرون عدة خاضعة لشتى أنواع التحكم الخارجي، لأنها غير قادرة على الانتقال من الاستهلاك إلى تسخير القوة الكامنة وتفعيلها من أجل الإنتاج والتفوق، فبقيت متلقيَّة ومستوردة لكثير من حاجاتها، بعيدة عن التفكير في إمكانية الإنتاج والتطوير، واستثمار العقول الموجودة بدلاً من تصديرها إلى الخارج الذي احتضنها وأخرج منها ما أفاده اقتصادياً وعلمياً وصدّر لنا ما كان بإمكاننا إنتاجه، فبقينا أمة مستهلكة لمختلف الأشياء صغيرة كانت أم كبيرة، على الرغم من الموارد الهائلة التي تحوزها كثيرٌ من 
الدول.
إذا أراد أحدنا أنْ ينجحَ ويحققَ مستقبلاً أول ما يتبادر إلى ذهنه السفر إلى أوروبا وأميركا، فكم من الأدمغة والعقول العربيَّة التي هاجرت أو هُجرت قسراً من بلدانها، أصبحت اليوم أعلاماً في العِلمِ والمعرفة والاختراعات، ثم نهلل ونقيم الليالي الملاح، فخورين بأصولهم العربيَّة وأجدادهم، في حين كان بالإمكان مع تهيئة الفرص والإمكانات أنْ نرتقي بعلمهم وفكرهم وعقولهم، لكننا إلى اليوم لم ندرك أهمية تلك القوة والطاقة الكامنة لدينا، وندع لغيرها اكتشافها، بينما نلهو بالتمييز بين بعضنا البعض على أساس ديني وعرقي وطائفي ومناطقي، ونعقد المؤتمرات والندوات لمناقشة أمور أكل عليها الزمن 
وشرب.
إنَّ قسماً هائلاً من تراجعنا سببه المفاهيم المغلوطة عن الحياة وكيف تعاش، فلم نتمكن من تفعيل طاقاتنا الكامنة الخاملة، وتغيير سلوكياتنا لتصبح أكثر إيجابيَّة، والتخلص من السلبية التي تسيطر كثيراً على تصرفاتنا وتحركاتنا، ما زلنا منشغلين بالآخرين ومهملين لأنفسنا، مطمئنين أنَّ مستلزماتنا ستحضر إلينا من دون أنْ نبذل جهداً
لصنعها.
يبدو أننا تخلينا عن الإرث الحضاري العريق الذي نعمت به بلادنا لقرون عديدة، فأصبحنا تابعين خاضعين، لأننا لم نتمكن من استغلال الطاقات الكامنة لدينا، ولا استخراج أية قوة قادرة على المساهمة في التطور والتقدم العلمي
للبشرية.