داعش من معسكرات الجهاد الى أسواق النخاسة

آراء 2019/08/24
...

عقيل حبيب
 
ابتداء ان هذه المقالة تهدف الى احصاء بعض النتائج التاريخية (الكارثية) لما اسماه وائل حلاق (الدولة المستحيلة)، أي استحالة قيام مثل هذه الدولة في العصر الحاضر، والشاهد على ذلك هو تجربة الدولة الاسلامية في العراق والشام المختصرة باصطلاح داعش.
واذا ما تركنا تلك الاستحالة الفكرية التي كشفها وائل حلاق باحترافية في كتابه (الدولة المستحيلة) واخذنا مثالا ابسط بكثير في تشخيص النتائج، لكنه اكثر عملية ووضوحا وهو يكشف حجم الكارثة التي جرتها محاولة الاسلام السياسي ممثلا بداعش وتطبيق نظريتها في الحكم (الشرعي) واقامة الدولة الاسلامية، وهذا المثال هو تطبيق داعش لأحكام (الشريعة) الخاصة بفقه العبيد والإماء، وفلسفة هذا الفقه قديمة جدا تحصر النظر لهؤلاء البشر الذين يتم الاستيلاء عليهم بفعل الحروب من خلال منظار نظام فقهي تحت باب (احكام العبيد والإماء) المختص بمعاملات العبيد واحكام نكاح الجواري وحكم النظر للإماء و....، حيث يتم تصنيفهم وتسويقهم تحت مسميات العبودية كعبيد وسبايا وجواري وإماء وملك اليمين...، وغيرها من التسميات التي تدل على غنى لغوي وثقافي في مجال العبودية. 
عبر عصور الدولة الاسلامية ومراحل قيامها، من اموية وعباسية وحتى الدولة العثمانية (المثل الأكثر شهرة لهذه الدولة هو الاستعباد العسكري لمن سموا بالانكشارية، وهم الصغار الذين لا يعرف لهم اباء وامهات حيث تم اختطافهم من ذويهم لتتم تربيتهم تربية عسكرية ودينية صارمة). هذه الدولة لم تنفصل عن هذه الممارسة ورعايته باعتباره نشاطا تجاريا، أو نشاطا اجتماعيا، فقد كانت تجارة العبيد موردا اقتصاديا مهما لها، وشهدت هذه الدولة توسعا في اسواق النخاسة على طول الأرض التي استولت عليها، ليصبح الأمر بعد عقود جزءا من المخيال السياسي لدى حركات الاسلام السياسي، اي فعل مخيالي له رمزية دينية تحيل على عظمة الدولة الاسلامية في سابق عهدها، حيث كانت دولة الفتوحات تقوم بمثل هذه الممارسة التي يختلط فيها الجهاد بالتجارة، الديني بالدنيوي، الارواح بالاجساد. اقرب تاريخ تحتفظ به الذاكرة التاريخية للمسلمين حول هذا (المجد الغابر) للعبودية الجنسية يعود الى ما قبل عام 1924 ، حيث بسقوط الخلافة العثمانية سقطت معها هذه الممارسات اللاانسانية واللااخلاقية. 
لقد نسي العالم خطورة مثل هكذا انظمة دينية طائفية، مثلما نسي مجزرة كبرى ارتكبت باسم الدين، وهي (مجزرة الأرمن)، لكن عام 2014 ومن خلال سبي النساء الأيزيديات وابادة الرجال اعاد تذكير العالم بهذه الممارسة، بكل وقاحتها، ولاانسانيتها، ولا اخلاقيتها، وبؤس نظامها الفكري الذي بررها. حيث كل من يتم القاء القبض عليهم من قبل عصابات (الجهاد) يتحولون بحكم (الشريعة) الى بضائع، الذكور عبيد مملوكين، والأناث إماء وجواري مملوكات، والجميع يباع ويشترى بحسب قوانين السوق التجارية، وخاضع لقانون العرض والطلب. 
في عام 2017 أجتاحت مجاميع مسلحة تابعة لتنظيم داعش مدينة (موراي) الفليبينة، وبعد قتلهم للكثير من السكان المحليين قاموا بأخذ المتبقين كعبيد . اما في مدينة الرقة السورية فكاد الأمر يصبح عاديا جدا وجزءا من الممارسة اليومية للتنظيم.
بعد سقوط مدينة الموصل واعلان الدولة الاسلامية في العراق والشام عام 2014 توسع النشاط التجاري لسوق الجهاد الداعشي بشكل ملحوظ وسريع، وواحد من تفرعاته هي ما يسمى سوق النخاسة الالكترونية، الصدفة العراقية البائسة هي من كشفت هذا الأمر بشكل جلي، فبعد الهجوم على القرى الايزيدية تحولت الأناث الى جواري وتم عرض الكثير منهن على شبكة الانترنت في مواقع للتسوق تابعة للتنظيم، كل واحدة لها سعرها، وقد تعرف الكثير من عوائل على بناتهم بهذه الطريقة المهينة، لتبدأ بعدها عملية اخرى اكثر قسوة وامتهانا للعراقي في التاريخ الحديث، حيث تبدأ المفاوضات (التجارية) حول تحديد سعر الفتاة، وسعر ابنائها اذا كان معها اطفال، وتحديد عمولة الوسيط وعمولة الذي يقوم بايصالها(المهربجي)، وهكذا تنتهي دورة السوق بالنسبة لداعش، ولكنها لن تنتهي بالنسبة للفتاة ولذويها، بل ستستمر الحلقات بالتوالد مخلفة المزيد من الضحايا. هل لنا أن نسأل الان ما إذا كان الارهاب عرضة لسوق الجهاد؟ هل يشكل رأس المال الديني محرك الجهاد؟ 
كانت سوق الجهاد الافغانية مطلع الثمانينيات قد ارست قواعد التعاملات التجارية لما سيصبح جهادا عالميا، أو كما يسميه (أوليفيه روا) الجهاد المعولم. كان هناك تجار عالميون (اصحاب رأس المال الديني) يلبون الحاجة الروحية لمستهلكين جهاديين في اماكن متباعدة من العالم، وكانت هناك منتجات دينية قابلة للاستهلاك الديني، ولكن تنظيم داعش وحده من وسع نشاط هذه السوق ليشمل تجارة الرقيق وليفتح فروعا من (سوق النخاسة الشرعية) في مناطق سيطرته. هكذا طبق داعش واحدا من الاحكام (الشرعية) التي تضع الف علامة تعجب امام المشرع الديني: لماذا لا يتم حذف هذه الاحكام من المدونة الدينية الرسمية؟ هل ينتظر هذا المشرع ان تسنح الظروف في يوم ما للاستفادة من هذه 
الأحكام؟