أمريكا تدير صراعاً مع إيران، بطريقة التصعيد المقنن، لدفعها باتجاه الوقوع في فخ التصعيد وارتكاب الخطأ الذي تتصيده لتكون سيدة تمسك زمام الأمور، وايران تدير الصراع من جانبها باستراتيجية استعجال سحب العدو الى ساحة قتال مقننة، فيها موالون قادرون على توجيه الضربات المؤذية عند الحاجة. والعراق في الواقع بوضع الحيرة، غالبية خياراته المتاحة تصب في خانة المزيد من التصعيد والتوتر، الذي يجعل أرضه في حال تطور الصراع لمستوى التصادم العسكري بين الدولتين القويتين أعلاه، ساحة حرب وباحتمالات ليست قليلة. فعلى سبيل المثال قُصفت مخازن أسلحة للحشد الشعبي بقنابل مدفعية، أو تفجرت من الداخل بتماس كهربائي أو عن طريق عملاء، أو استهدفتها طائرات مسيرة، إسرائيلية أو أمريكية. قصة حيّرت المتلقي العراقي، حيرة تلقفها العدو الإسرائيلي وبدأ يعزف على أوتارها بطريقة تزيد الحيرة... محصلتها جعلت العراقي المتتبع في دوامة تيه غير قادر على تأكيد مشاركتها في القصف فعلاً أم أن لديها نوايا للمشاركة. ونتيجة التيه ضعف المعنويات واثارة قدر من التوتر والاضطراب.
فصائل مسلحة معنية بالمخازن التي تفجرت، أو قريبة منها، تضع حكايات من جانبها، توجه اتهامات من جهتها، تنشر صوراً لطائرات وتفجيرات خارج سيطرة الدولة وتوجهاتها، يتبين أنها لا تعود الى ساحة العراق وليس للعراق صلة بها، قصدت تعزيز الاتهامات لتثبيت إدانة أمريكا العدو اللدود. والمحصلة المزيد من الحيرة عن الدوافع، وتوجيه أسهم العدوان، في معادلات نفسية تفضي الى مزيد من التوتر والاضطراب.
علماء دين وموجهون معروفون يصدرون فتاوى تحريم لطيران فوق الأجواء العراقية، وكذلك لتواجد جنود فوق الأراضي والمياه العراقية، متجاوزين الاتفاقات المبرمة، وأعراف السياسة ومصالح البلاد، ومرونة الدولة وتوجهات الحكومة في الضبط والسيطرة. محصلتها زيادة مستويات الاثارة والعداء الى جهات ليس للعراق مصلحة في معاداتها في الوقت الحالي على أقل تقدير.
سياسيون متمرسون، يستغلون ظروف التوتر، وحاجة المتلقي خلالها الى الاستماع ومتابعة الأحداث، يدخلون سريعاً على الخط، يطلقون تصريحات، فيها التهديد واضحاً والوعيد بيّناً، يعيدون بتصريحاتهم هذه العراقي الى أيام التهديد والوعيد التي بانت بعد حصول المواجهات أنها مجرد حبر على ورق. محصلها تلاعب في خزين الذاكرة العراقية وموجوداتها واخلال بالقيم والمعايير، تضاعف مقادير التوتر والاضطراب.
إن ما يحصل داخل العراق في وقتنا الراهن، تعبئة للجمهور وزيادة عدائه الموروث للأجنبي، وناتج التعبئة مشاعر سلبية تحتاج الى تفريغ، والتفريغ سيكون في المكان القريب أي على أرض العراق. والتوتر الحاصل والاضطراب الذي تسعى بعض الأطراف زيادة مستوياته هو طاقة سلبية تحتاج كذلك الى تفريغ، والتفريغ الملائم لابد وأن يكون على أرضه أي العراق. على هذا يمكن القول إن قسماً من أهل العراق وقعوا في فخ التصعيد، وجعلوا من أنفسهم طرفاً فيه، وبالمستوى الذي يصعب فيه تجنب الوقوع.